قائمة الموقع

خبر كيف ننجو بأنفسنا...؟

2018-01-25T09:37:11+02:00

بقلم/ وائل بعلوشة

ما الذي يؤسس للعلاقة بين الحاكم والمحكوم؟ وعلى أي أساس يطلب الحاكم من الرعية/المواطنين تقديم فروض الولاء أو ما يسمى "الواجبات" قبل المطالبة بالحقوق؟ ولماذا يقدم الحاكم الواجبات على الحقوق ويعتبرها اختبار المواطنة الجيدة؟

برأيي أن الإجابة تكمن في العقد الاجتماعي الذي يحدد علاقة الحاكم بالمحكوم والعكس دون تقديم قيمة على أخرى (واجبات وحقوق)، فهل لدى الفلسطينيين عقدا اجتماعيا يؤطر علاقات الطرفين؟

استطاعت أوروبا مثلا أن تنتقل من عصور الظلام إلى عصر التنوير بفضل مفكريها وفلاسفتها الذين ابتدعوا نظرية العقد الاجتماعي ملازمة لنظريات اقتصادية واجتماعية يتناسب مع واقعها الاخلاقي، الثقافي، الاجتماعي، السياسي والاقتصادي، و يحافظ بالأساس على كرامة الإنسان، وحتى في النموذج الأوروبي يختلف العقد الاجتماعي من دولة إلى اخرى، فالدول الإسكندنافية قاتلت  ولا تزال من أجل توفير الحد الاقصى من الرفاه الاجتماعي لمواطنيها حتى و إن استدعى الأمر تدخلاً مباشراً من الدولة لصالح الفرد(الضمان الاجتماعي وضمان الحد الادنى من الاجور)، الأمر الذي يختلف في بعض الدول التي تعتبر أن دورها ينحصر في الجانب المدني والسياسي و تقديم الخدمات المناطة بمؤسسات الدولة بينما الاقتصاد هو اقتصاد رأسمالي حر لا تتدخل فيه الدولة.

فيما يبدو الأمر مختلفاً تماماً في دولة مثل الصين التي ينشطُ فيها فقط الحزب الحاكم بيد أن تداول السلطات هناك شبه معدوم؛ وفي المقابل فقد لجأت عملياً إلى تحسين واقعها الاقتصادي وتعظيم قدراتها لتصبح ثاني أكبر اقتصاد في العالم ومنافس قوي على مستوى السوق العالمي، وهو ما انعكس إيجابا على حياة المواطن، وكأن العقد الاجتماعي هو تحسين الوضع الاقتصادي بدون أن يصحبه تغييرا في النظام والبنية السياسيتين.

أما النموذج في العالم العربي فيبدو فاشلا أو لنقل لم ينجح بعد في إنتاج عقد اجتماعي يتناسب مع تطلعات شعوبه، واستورد تجارباً لم تكن لتتناسب مع واقعه الاجتماعي، الثقافي، الاقتصادي والسياسي حيث استمرت الانظمة التي تعاقبت على الحكم منذ عقود، في التعامل مع شعوبها بلهجة الانتقام والاقصاء والانتهاك الصارخ لحقوق الانسان والافقار والفساد والقضاء على كل الفرص التي من شأنها تحقيق الحد الادنى من العدالة الاجتماعية التي تكفل كرامة الإنسان، فلا هي قدمت دولة رفاه، واستمرت في ممارسة سلطتها إما عبر السيطرة على الحكم بالقوة أو الوراثة أو عبر الاقتراع الشكلي او حتى النزيه.

و على الرغم من كل ما اثبتته التجارب التاريخية بأن استقرار أنظمة الحكم يحدث فقط حين يتم إعمال بنود التعاقد، لأن العقد شريعة المتعاقدين، بدليل الخروج الآمن والسلس للحكام مثلاً و الذين تنقضي بموجب العقد مدة ولايتهم، حيث يذهب الحاكم ويبقى النظام ( و أقصد هنا الدول التي تحترم عقدها و تعمل به)، إلا أن تجارب الحكم في العالم العربي لازالت  تقول لنا  بأن النظام يعمل بإمرة الحاكم ويتم تغيير بنود التعاقد وفق رغبته أو على أحسن تقدير وفق رغبة فريق الحكم أياً كان شكل هذا الفريق الذي ما يمثل عادة حزباً سياساً بعينه.

ولأننا كفلسطينيين جزءٌ من السياق العربي (رغم خصوصية استمرار وقوعنا تحت الاحتلال المباشر)، وعلى الرغم من أننا حصلنا على سلطةٍ منقوصة السيادة ودعُمت بكل أشكال الدعم في بداية تأسيسها، إلا اننا لم نتعلم للأسف من التجارب السيئة للدول العربية رغم معايشتنا لها (بفعل التهجير)، وقعنا في أزمات أسوأ وفي وقت أقل.

 وليس أقلُ هذه الازمات عدم قدرتنا على حماية المشروع الوطني والتراجع على مستوى التوافق على شكله، وهو ما أوجد حالةً من التفرد واقصاء الآخر، ولن يكون آخر هذه الأزمات تلك الظواهر التي نتجت بفعل ممارسة السلطة، ليس أقلها سوء انتشارُ الفسادِ وانتهاكُ حرمةِ حقوق الإنسان والتعدي على كرامة المواطن، مروراً بأحداث الانقسام اللعين الذي قصم ظهرنا وأبطل محاولاتنا كفلسطينيين للحفاظ على سر قوتنا وهو عدالة قضيتنا الفلسطينية.

  أمام كل ما سبق يطرح السؤال نفسه هنا وبقوة، عن أي التزامٍ متبادل ومتفق عليه بين المواطن وبين كل من أتى لإدارة شأن البلاد يمكن أن نتحدث؟ وهل ظل القانون الأساسي الذي يُنتهكُ كلَ يومٍ هو العقد المبرم بين المواطن والسلطة؟ ثم عن أي سلطة نتحدث؟

السلطة الفلسطينية التي أدارت ظهرها لقطاع غزة واستكفت بالضفة وفعلت بها ما فعلت، وقررت بدلاً من القيام بدورها، أن تترك القطاع وتمارس عليه وعلى سكانه كل أنواع العقوبات حتى يعود راكعاً مستجديا؟!

أم هي حكومة غزة التي قررت حركة حماس إقامتها في القطاع لأحد عشر عاماً في اعتقادٍ خاطئٍ منها بأنها قادرةٌ وحدها على فعل ما عجز عن فعله الآخرون، ثم غرقت في مستنقع ممارسة الحكم ووجدت نفسها أمام سيل من حاجات الناس وتطلعاتهم التي فشلت في الاجابة عليها، وساهمت في تعطيل الإجابة لأكثر من عقد من الزمان؟!

أم أنها حكومة الوفاق التي عادت لقطاع غزة واستقبلها الناس مهللين، ولم تقدم حتى اللحظة أيُ شيء يذكر، فالحال كما هو بل أسوأ من أسوأ توقع فكرنا به في ماضينا.

الشاهد من كل ما سبق أن طرفي المعادلة (الحاكم والمحكوم) أُصيبا بالخسران، ولم يحقق أي منهما انتصاراً حقيقياً ولا مغنم، فقد خسر المواطن الفلسطيني وحاكمه حاضرهما وفي طريقها لخسارة المستقبل، رغم إصرار ادعاء البعض بأن الأمل بالتغير نحو الأفضل لازال قائماً ويسوق لنفسه كذباً بأنه وحده من لديه القدرة على قراءة المشهد وتحليله، بما يمنحه الحق للتفرد، دون أي اعتبار للمواطن الذي اتفقت كل تجارب العالم والامم على أنه مصدر السلطات.

 وعليه وقبل التوغل أكثر في الظلام وإقصاء الذات ومناطحة الجدران، علينا ان نفكر بشكل حقيقي بعد ان انكشفنا على العالم وانكشفنا على ذواتنا وبعد ان كُشفت سوءتنا، أن نفكر ملياً لنجيب على أنفسنا (ماذا نريد وكيف؟)  وما هو العقد الذي نحتاجه وبأي صيغةٍ؟ وما هي ضمانات احترامه، علنا ننجو بأنفسنا كما فعلت أمم أخرى.


جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز"

اخبار ذات صلة