قلم/ أكرم عطا الله
أحياناً تحتاج حركة الأشياء الى مساحة من الزمن كي يتم رؤيتها بوضوح أكثر، وربما تحتاج الى الخروج قليلاً من اطار الصورة حتى يمكن رؤيتها وبشكلها الكلي دون الغرق بالتفاصيل، فالتفاصيل ليست سوى جزيئات في المشهد العام وبعد سنوات علينا أن نعيد تركيب الجزيئات كما لعبة تجميع الصورة المبعثرة كي تتضح بكلياتها.
مشروع أميركي كبير يتم طبخه في تل أبيب، وعلى الجانب الآخر فلسطينيون يجرون أنفسهم بتثاقل كبير محاولين ترميم ما انكسر لسنوات الى الدرجة التي بات فيها المشهد الفلسطيني عصياً على الوحدة وحالة من التمزق والتفتت وغياب المؤسسة وانحدار متواصل دون توقف، إن أي مراقب لما يحدث حين يُجري مقارنة بين ما يطبخ لتمريره على الفلسطينيين وبين مشهد حوارهم الداخلي المخجل يكتشف بلا معاناة المستوى الحقيقي لما هو قائم لدينا من عمل سياسي طفولي بامتياز.
ولكن كيف انحدرنا الى هذا المستوى؟ تلك لم تكن مصادفة خاصة عندما يكون طرفي الصراع على هذه الأرض أحدهم فلسطيني أصابته لوثة الحكم لدرجة الاستماتة والآخر على درجة من الدهاء مدجج بمراكز دراسات تفكر ليل نهار لتصفية وجود الأول من الطبيعي أن نصل الى هذه النتيجة فالفصائل الفلسطينية القائمة حالياً سجلت على نفسها في مرحلة تاريخية فاشلة أنها مارست كل هذه اللامسئولية تجاه الوطن وتجاه شعبها وسيسجل التاريخ ذلك.
من الذي أقنع حركة حماس وحرضها على طرد السلطة من غزة قبل أكثر من عقد؟ وكيف تدهورت الأمور لتصل الى الصدام المسلح لينتهي بهذه النتيجة التي استنزفت عقداً كاملاً من محاولات اعادة تصويب الوضع بلا جدوى وما أن تنبهنا لخطورة المسار الذي استدرجت اليه غزة واذ بإسرائيل كانت قد أنضجت مشروعها بالتواطؤ مع الادارة الأميركية ونحن في أكثر حالاتنا ضعفاً عاجزين عن بناء نظام سياسي وفي ظل هذا الوضع تبدو قدرتنا على مواجهة الاسرائيلي في حدودها الدنيا.
النتيجة حصار وتجويع غزة ومعاقبتها وثلاث حروب تدميرية أفقدتها توازنها وأعادتها عقود للوراء لتظهر غزة التي قادت المشروع الوطني منذ انطلاقته وأنتجت فصائله التي تحملت مسئولية الصراع مع اسرائيل فقيرة بائسة تسبح على بطنها ليتم تدجينها لتقبل بالفتات السياسي مرغمة أم طواعية ومن يراقب نقاش الغزيين وحواراتهم اليومية عن الفقر والجوع والعائلات المستورة ومتسولي الشوارع والبيوت التي تحتضن المآسي يعرف أن الهم الوطني تراجع نحو هوامش وصالونات بعيدة عن روح المجتمع وتلك ليست مصادفة.
علينا أن نعترف أننا فشلنا وقدمنا أسوأ نموذج لشعب تحت الاحتلال قاتل نفسه من أجل السلطة فقتل شعبه جوعاً وبؤساً وداس مشروعه الوطني بلا رحمة وغرقنا جميعاً في حفرة كبيرة والأسوأ أن محاولات الخروج منها تبدو في غاية الصعوبة ليس لأن الطرق موصدة بل لأن أصحاب الحل بلا ارادة حقيقية لم يشعروا حتى اللحظة بخطورة ما بدأ بحرق أقدامهم جميعاً فمشروعنا الوطني على المقصلة فماذا يريدون أكثر من هذا الوضوح؟
على حركة حماس أن تعرف أنها ارتكبت خطيئة كبرى بانقلابها على السلطة وطردها من غزة التي انحدرت الى هذا المستوى وعلى السلطة أن تدرك أنها تركت قطاع غزة طيلة السنوات الماضية أن يذهب بعيداً دون أن تعيد احتضانه دون مساعي جدية لانهاء الأزمة في النظام السياسي بل وساهمت في كثير من اجراءاتها في دفعه بعيدا عنها.
وما بين سلخ غزة من قبل حماس ودفع غزة من قبل السلطة وصلت غزة الى هذه الحالة من التحطم والتأهل بهذا الشكل ما هذه المصادفات؟ وبينما انشغل الفلسطينيون بأنفسهم مرة بالحوار ومرات بالمناكفات التي غطت تلك السنوات العجاف كان الاسرائيلي يرتب أوراقه جيداً منتظراً اللحظة وما أن انتخب الرئيس ترامب حتى وضع الملف جاهزاً على طاولته.
ماذا نقول للفصائل؟ أحد رواد التواصل الاجتماعي كتب على صفحته علينا أن نسلمهم رسائل شكر وهو يتندر بألم لما وصلت اليه الحالة والحقيقة دون أن نجلد الفصائل كثيراً لكنها ضلت الطريق للسنوات الماضية وانشغلت تطحن نفسها والأسوأ أنها أنتجت ثقافة من الكراهية وعنف الحوار تعلمها جيل بأكمله الاسرائيلي هيأ بدهاء كل تلك الظروف ونحن تم استدراجنا جميعاً مواطنين وفصائل.
آن الأوان للتوقف لأن اشارة حمراء ترتفع في وجوهنا جميعاً، اذا لم نسارع بالخروج من حالة الانقسام بأقصى سرعة وهذا ممكن فعلينا السلام ولننتظر تأبين مشروعنا الوطني وسيكتب التاريخ ما الذي حدث ومن هم شهوده من القوى التي نزلت في المعركة تجمع غنائم فانهزمت وتبددت التاريخ ....لا يرحم..!!!
نقلا عن نبأ برس