بقلم: وجيه عزايزه
لعل أهم ما ميز نتائج السنة الأخير من الحرب الدائرة في سوريا وعليها هو تقدم قوى النظام وحلفائه وتراجع قوى المعارضة المسلحة، وهو وضع أدى الى نهاية مرحلة الحرب عبر الوكلاء إلى بداية مرحلة جديدة في الحرب مباشرة من خلال الأُصلاء، من هنا يمكن قراءة التصعيد التركي في الشمال السوري والتحذيرات المتصاعدة أمريكيًا وروسيًا، والتصعيد الأمريكي الإيراني تحت عنوان ولافتة الملف النووي، إضافة للتصعيد الإسرائيلي الأخير في لبنان.
من هنا تأتي قراءة زيارة نتانياهو الأخيرة إلى موسكو وبعدها بأقل من يومين زيارة مستشار الأمن القومي الروسي ورئيس الاستخبارات العسكرية الروسية إلى إسرائيل ووصف أحد النواب اللبنانيين لهذه الزيارتين بأنها أكثر من خطيرة، وكذلك التصعيد الإسرائيلي المفاجئ حول الثلاثة عشر نقطة الحدودية المختلف عليها في جنوب لبنان، ومحاولة إسرائيل بناء جدران عازلة فيها، وردّ لبنان برفض ذلك من خلال الشرعية اللبنانية المتمثلة بالجيش اللبناني.
إضافة للتطور الأخير في التنقيب عن الغاز في حقل (9) في البحر الأبيض المتوسط، واللغة الحادة المستعملة من قبل ليبرمان تجاه لبنان والشركات التي تستثمر بالتنقيب وإحداها روسية، وكذلك الرد اللبناني الموحد والمتمثل بالشرعية الثلاثية: رئاسة الجمهورية، ورئاسة النواب، ورئاسة الحكومة وهي من المرات القليلة الحدوث عادةً، مما وضع قواعد جديدة للتعاطي مع هذه الملفات بين إسرائيل ولبنان وفي ظرف لا تتمناه إسرائيل أن يحصل من خلال هذا التوافق اللبناني.
وسقوط رهان إسرائيلي كبير على أن تكون أية مواجهه قادمة يمكن أن تحصل في جنوب لبنان غير حائزة على اجماع لبناني حول ملفاتها. ويبقى السؤال الرئيسي: هل هناك مصلحة لإسرائيل أو إيران وحلفائها في سوريا في خوض غمار حرب جديدة؟!
فإن الجواب المباشر المتوقع إنه ما دامت إسرائيل مستفيدة من استمرار الحرب في سوريا فلماذا تغير بذلك؟!
لكن إسرائيل تدرك ايضًا أن فوائدها من هذه الحرب تمنحها مزايا وأرباح تراكمية عامودية في اتجاه واحد، ولا يستطيع إعطائها مزايا على ملفات أفقية أخرى معنية بها في المنطقة، خاصة مع الانتشار الجغرافي الأوسع لإيران وحلفائها في الجغرافيا المجاورة لإسرائيل سواء في لبنان أو سوريا ووصولا للعراق، مما يجعلها تدرك أن المواجهة هي مسألة وقت فقط وليس إمكانية أن تحدث أو لا تحدث.
من هنا فإن إسرائيل تدرك أنها أمام حرب الضرورة التي لا مفر منها خاصة مع اقتراب نهاية الحرب السورية وأن التحالف الذي ساند النظام أصبح يمتلك فائض قوة إن لم يستثمرها خارجيًا فإنها سترتد عليه داخليًا مما يحتم عليه إيجاد مساحة جديدة لاستيعاب ذلك إضافة إلى أن هذا التحالف سيجد أنه مضطر للإجابة عن سؤال مهم وهو: موقفه من التطورات الأخيرة خاصة في ملف القدس وتغيير التعامل الأمريكي مع هذا الملف؟
وإن على إيران وحلفائها في هذا المحور الإجابة على هذا السؤال وهو: هل إن الموقف باتجاه هذه القضية المركزية (القدس) قضية مبدئية أم قضية شعارات؟ وأن التعاطي مع هذا الملف سيتم في بعده الإسلامي مبعدًا ونافيًا للمفردات المذهبية الملصقة لهذا التحالف، وهل هذا المحور إسلامي كما يدعي أم مذهبي كما يدعون عليه.
من هنا فإن حصيلة جمع هذه المستجدات من (القدس، لبنان، سوريا) تؤدي إلى أن الحرب القادمة ربما الشر الذي لا بدّ منه في المرحلة القريبة.
المهم بالنسبة لإسرائيل هي الشروط التي ستخوض بها هذه الحرب حتى تضمن نتائج مرضية لها.
ويبقى السؤال: هل تستطيع إسرائيل خوض هذه الحرب وحسمها منفردة، وعلى عدة جبهات وبطرق حرب غير كلاسيكية وهل تستطيع تحقيق نتائج مرضية بالنسبة لها؟
أغلب الظن أن إسرائيل تحاول جاهدة جرّ الولايات المتحدة من خلال التصعيد في اللهجة ضد الاتفاق النووي من جهة، وقيامها بالاستفزازات اتجاه الأراضي السورية واللبنانية من جهة أخرى، وتحاول المراهنة على حسن علاقتها مع إدارة البيت الأبيض والقوى المؤثرة بداخله. في المقابل نرى الدولة العميقة في أمريكا تحاول تجنب المجازفة بهذه المنطقة مرة أخرى بعد التجربة المريرة في العراق، ويتضح ذلك تدارك أمريكا لموقفها في الملف الكردي سواء في العراق وسوريا، وحرص أمريكي على عدم التورط مجددًا في وحل المنطقة بشكل مباشر أمام هذا المشهد المعقد والذي تبتعد فيه إمكانية الوصول إلى تسويات إقليمية مقنعة وقابلة للتطبيق، فربما نكون قريبين من حرب الضرورة القادمة والتي يمكن أن تقود إلى تسويات إقليمية كبرى.
رأي اليوم
جميع المقالات تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز"