بقلم: طلال عوكل
إذا كان قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن القدس في كانون الأول الماضي، دفع الفلسطينيين لاعتباره بداية مرحلة جديدة، فإن العدوان الإسرائيلي الفاشل فجر العاشر من شباط الجاري، دفع حزب الله للإعلان عن أن ذلك يشكل مرحلة جديدة.
يعني ذلك أن الولايات المتحدة، تدفع المنطقة كلها إلى مرحلة جديدة طالما أن مؤشرات هذه المرحلة تتصل بقلب المنطقة حيث الصراع التاريخي بين الأمة العربية وإسرائيل التي تتطلع لأن تصبح دولة إقليمية ذات تأثير واسع ومباشر على الأحداث في كل المنطقة.
العنوان الذي تدخل الولايات المتحدة به إلى المرحلة الجديدة والتي تستهدف إعادة تفكيك وتركيب ما تبقى من النظام العربي الوطني، وفرض المخططات الإسرائيلية التوسعية على الفلسطينيين هو "صفقة القرن".
الإصرار الأميركي على فرض "صفقة القرن"، التي تتسع تداعياتها واستهدافاها لتشمل الإقليم بأسره، بما يقتضيه ذلك من فرض تحالفات جديدة غير مسبوقة، وخوض حروب وصراعات بالوكالة ومن دون أن تتكبد الولايات المتحدة أي تكاليف، هذا الإصرار رفع إلى درجة الغرور خطاب التطرف الإسرائيلي، وعزز لدى القيادة الإسرائيلية المتطرفة، الثقة بامتلاكها القوة والقدرة المطلقة.
في أول اختبار لفكرة القوة والقدرة المطلقة، أرادت إسرائيل من ورائها تحقيق جملة من الأهداف، وإطلاق جملة من الرسائل للإقليم وما بعد الإقليم، شنت الطائرات الإسرائيلية اثنتي عشرة غارة على مواقع عسكرية للنظام السوري والوجود الإيراني على حد زعم القيادة الإسرائيلية.
أعتقد أن المرجع الإسرائيلي الذي اتخذ القرار وهو رئيس الحكومة، ومن دون استشارة المستوى الأمني والعسكري، قد تفاجأ من مستوى وطبيعة الرد، كانت إسرائيل قد تعودت القيام بغارات جوية عدوانية على مرافق عسكرية بذريعة أنها أسلحة، أو مخازن أو قوات لـ"حزب الله"، ومن دون أن تتلقى ردًا.
الرد السوري التاريخي على الاعتداءات الإسرائيلية حتى قبل اندلاع الصراع في سورية بعقود كان دائمًا أن سورية سترد في المكان والزمان المناسبين، لكن ذلك الرد لم يقع، إلاّ في الجولة الجديدة من العدوان.
تتصرف إسرائيل تجاه سورية، انطلاقًا من تقييم للجيش السوري، الذي يعاني من الاستنزاف ومن ضعف قدراته التسليحية، وبإعلان صريح أنها تستهدف الوجود الإيراني، وقدرات "حزب الله".
المعركة ضد سورية بحسب الإعلانات الإسرائيلية هي إذًا معركة لإبعاد الخطر الإيراني الذي يقترب من حدودها الشمالية، وتعتقد أن مثل هذا الإعلان سيقربها أكثر من دول عربية تضع التهديد الإيراني على رأس أولوياتها.
وخلال الفترة الماضية وحتى أيام قليلة اعتمدت إسرائيل تكتيك المزاوجة بين التدخل العسكري، وممارسة العدوان، وبين المعالجة السياسية حيث طلبت من روسيا أن تلعب دورًا في تنظيف سورية من الوجود الإيراني.
المحصلة أن إسرائيل فشلت في الحالتين، فلقد فوجئت برد الفعل السوري، حيث جرى إسقاط طائرة مقاتلة من نوع (إف ـ 16)، بصواريخ سام 5، وفشلت، أيضًا، في إقناع روسيا بكف يد إيران عن العمل في سورية.
إذا كان ما قامت به الطائرات الإسرائيلية فجر يوم السبت الماضي مجرد اختبار للموقف السوري أو حلفاء سورية، فإن الأمر ما كان ليتجاوز حدود الجولة السريعة، ذلك أن إسرائيل لم تكن تنوي القيام بشن حرب واسعة في الشمال لم يحن وقتها بعد، رغم تركيز الإعلام الإسرائيلي على خطورة هذه الجبهة.
الرد السوري جاء ليقول إن الجيش السوري لا يزال يملك الإمكانية لمواجهة العدوان بخلاف ما كان سابقًا، وأن ثمة قرارًا بمواجهة أي عدوان إسرائيلي، وأن حلفاء النظام متماسكون ومتضامنون خلف الموقف الذي اتخذه النظام، والمرجح أنه ما كان ليكون كذلك إلاّ بعد تنسيق المواقف بين الحلفاء.
الآن تدرك إسرائيل أن الجيش السوري يمتلك صواريخ قادرة على التصدي لطائراتها، التي لم يعد بإمكانها أن تدخل إلى الأجواء السورية وتخرج منها من دون أي اعتراض جدي.
هذا الفشل الذي واجهته إسرائيل ينطوي على تداعيات خطيرة، حيث إنه يترك لدى القيادات الأمنية والسياسية، الانطباع بأن نشوب حرب في الشمال لن يكون نزهة أو من دون تكاليف باهظة.
لكن من هذه التداعيات، أيضًا، أن هذا الفشل يمس بمصداقية إسرائيل وقدرتها على مواجهة الخطر الإيراني، وحلفاء إيران في الشمال، ما سيحدث حالة من التردد لدى بعض العرب المراهنين على التحالف مع إسرائيل لمواجهة هذا الخطر.
لم يمض سوى ساعات حتى تغيرت لغة المسؤولين في إسرائيل، حيث طالبوا روسيا باحتواء الموقف، وأعلنوا أنهم لا يرغبون في التصعيد.
يقول وزير التعليم العالي نفتالي بينيت، إن الحرب في الشمال في حال اندلاعها، ستتسبب بسقوط آلاف الصواريخ على شمال ووسط إسرائيل وستمس بمنشآت حيوية جداً، أي أن مثل هذه الحرب التي لا يمكن تجنبها، من شأنها أن تزج بالجبهة الداخلية الإسرائيلية في أتون الجحيم، وكالعادة تعلن الولايات المتحدة عن دعمها لحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، حتى لو كانت هي المعتدية، لكنها ـ أي الولايات المتحدة ـ ليست مطلقة اليد في ضوء خطورة الطرف المقابل وفي ضوء الوجود الروسي في سورية وهو وجود ليس شكلياً.
إسرائيل القوية أمام اختبار صعب ومصيري، فإذا كانت حربها على الشمال جزءا من استحقاقات صفقة القرن لكي تحظى بتحالفات جديدة مع بعض العرب، فإنّ الثمن الذي ستدفعه ضخم، وقد يؤدي ترددها إلى تراجع المراهنين على دورها، ما يعني إفشال "صفقة القرن".
الأيام
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز"