بقلم: طلال عوكل
بعد طول انتظار منذ أن توقف قطار المصالحة الفلسطينية يوم أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب قراره الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وكان ذلك في السادس من كانون الأول الماضي، تعود صافرات القطار لتعلن من جديد إمكانية الانتقال إلى محطة أخرى.
أكثر من أربعة أشهر مرت على اتفاق القاهرة في الثاني عشر من تشرين الأول الماضي، أطاحت بها الذرائع، وبكل ما تضمنته من أجندات ومواعيد زمنية، ما أدى إلى توقف القطار، فلا هو قادر على العودة إلى محطته الأولى ولا هو قادر على التحرك نحو محطة جديدة.
الطرفان فتح وحماس يتبادلان، الاتهامات، بشأن الطرف المسؤول عن توقف هدير القطار، إذ تدعي حماس بأنها قدمت كل شيء، من أجل تمكين الحكومة، فيما تدعي حركة فتح أن الحكومة لم تتمكن بعد.
تقول حركة فتح إن موظفيها الرسميين الذين طلبت منهم الحكومة الالتحاق بمؤسساتهم، لم يتمكنوا من العودة والعمل في معظم المرافق الحكومية، وإن حركة حماس احتفظت بالجباية الداخلية، وامتنعت عن تسليم ملف القضاء.
قبل أيام قليلة كان الدكتور محمود الزهار قد صرح بأن الحركة احتفظت بملف الجباية الداخلية حتى تتمكن من الصرف على موظفي ما بعد العام 2007.
التصريح بحد ذاته يشير إلى أزمة الثقة، فلو أن حركة حماس واثقة، ولديها ضمانات، بأن الحكومة ستعالج بشكل معقول ملف موظفي ما بعد 2007، لكانت سلمت ملف الجباية الداخلية، بالرغم من تكرار التصريحات التي تصدر عن الحكومة بأنها ستتحمل مسؤوليتها تجاه هؤلاء الموظفين.
أزمة الثقة، وتمسك كل طرف بحساباته ورؤيته للمصالحة، وتجاهل الآثار الناجمة عن تعطل قطار المصالحة، وعلى وجه الخصوص بالنسبة للمواطن الفلسطيني، أدى إلى تفاقم أزمات السكان في قطاع غزة، وإلى تعميق أزمة الثقة بينه وبين الفصائل والقيادات السياسية، بحيث لم يعد المواطن يعير أي اهتمام لما يصدر من تصريحات ووعود.
وربما كان الأثر الأبرز لأزمة الثقة بين الحاكم والمحكوم يتجلى أكثر في بعده السياسي، من حيث استعداد الناس، للخروج والتضحية في مجابهة المخططات الأميركية الإسرائيلية التصفوية التي يكثر المسؤولون الحديث عنها.
ثمة أمر يثير الغرابة، في السلوك السياسي الفلسطيني حيث التناقض صارخ بين تداعيات ومتطلبات مواجهة مخططات التصفية وبين التعامل العبثي مع الأدوات التي عليها أن تخوض المجابهة.
تستدعي عملية المواجهة، تقليب كل حجر بحثاً عن كل فلسطيني في أي مكان من هذا العالم، يمكنه أن يقدم جهدًا ولو بسيطاً في هذه المجابهة بينما في الواقع يجري تجاهل الفلسطينيين سواء المتواجدون في ميدان المجابهة أو المنتشرون في مختلف أصقاع الأرض.
لا تدرك القيادات السياسية، أن الناس ليسوا رعاعاً يمكنهم أن يتحركوا أو يصمتوا بقرار، أو أنهم يفتقرون إلى الحساسية إزاء ما يجري من حولهم، وفي بيتهم الداخلي.
الكل يتحدث عن خطورة السياسات الأميركية الإسرائيلية، وأهدافها التصفوية للقضية، والكل يتحدث عن الحاجة إلى تصعيد المجابهة، وعن أهمية الوحدة الوطنية، لكن الأفعال لا تدلل على ذلك، ومن دون أن يتطوع أحد المسؤولين في شرح أبعاد السياسة الفلسطينية ومقتضياتها.
المجلس المركزي الفلسطيني اتخذ سلسلة من القرارات المهمة، رغم اعتراض البعض عليها من زاوية، الحاجة لمزيد من التصعيد والقطع مع كل نهج المفاوضات، والسلام، ولكن رغم مرور بضعة أسابيع على تلك القرارات فإن أيًا منها لم يجد طريقه للتنفيذ.
وفوق هذا تتعطل المصالحة رغم كثرة التصريحات التي تؤكد الحاجة لتحقيقها، كشرط ضروري لخوض المجابهة الصعبة التي تنتظر الفلسطينيين.
في الواقع فإن التحركات السياسية على الصعيد الخارجي، ونقصد الدولي والإقليمي، تستحق التقدير والاحترام، رغم ما يعترضها من انتقادات محكومة لطبائع ممارسة المعارضة، والتباين الواسع في الاستراتيجيات والأهداف، لكن الثغرة الأساسية تكمن في الأداء الداخلي، ما يضعف التحرك الخارجي.
اليوم تتيح مصر فرصة جديدة لدفع قطار المصالحة نحو التحرك لمحطة أخرى، ما ينفي الشكوك والتسريبات التي تصدر عن جهات لا مصلحة لها في تحقيق المصالحة، فتتهم مصر بشتى الاتهامات.
الوفد الأمني المصري يعود إلى غزة، بعد مشاورات طويلة مع وفد حركة حماس، إذا كان ما يعنينا منها موضوع المصالحة فإن عودة الوفد المصري إلى غزة، تشير إلى أن ثمة أملاً في تحريك المصالحة، وإلاّ لما كان عليه أن يعود ليجرب ما جربه سابقًا.
عودة الوفد المصري قد تعني أن حركة حماس قد وافقت على تسليم البيت بكامله دون أن تحتفظ بأي غرفة منه، فإن كان ذلك صحيحًا فإن الكرة في ملعب الحكومة التي عليها أن تبادر لاستلام كامل مهماتها وصلاحياتها في القطاع.
إن حصل هذا فإن الأوضاع في قطاع غزة تتجه نحو إجراءات من شأنها أن تبدل المشهد المأساوي الذي يعاني منه الناس وفي اتجاه تخفيف وطأة الحصار.
أما إن كانت حماس قد قررت أن تسلم البيت بأكمله للحكومة، وامتنعت الأخيرة عن القيام بمسؤولياتها، واختلقت المزيد من الأعذار، فإن ذلك سيؤدي إلى نتيجة سلبية بالنسبة للدور المصري وفي هذه الحالة فإن المتوقع من مصر هو أن تتجاوز الخلافات الفلسطينية، وتتصرف بشكل أحادي الجانب بما يضمن أمنها، وفي الوقت ذاته تخفيف أعباء الحياة عن سكان قطاع غزة.
وفي هذه الحالة، أيضًا، تتحدث حماس عن بدائل من نوع إعادة تظهير شراكتها مع تيار النائب محمد دحلان، وربما تشكيل إدارة وطنية، تنهي تفرد حماس في إدارة شؤون القطاع.
صحيفة الأيام
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز"