شمس نيوز/ صابرين عزيز
الشهيد: باسل الأعرج
العمر: لا ينتهي عندما نتحدث عن شهيد، لذلك لا يهم الرقم، وللفضوليين 33 عامًا.
التخصص: خريج صيدلة من إحدى الجامعات المصرية، هذه الشهادة الورقية، بينما منحه الناس منظر للثورة والمقاومة.
شهرته: شهيد، مشتبك، ثائر، فلسطيني، مثقف...
كتب باسل في وصيته " كم من الصعب أن تكتب وصيتك، ومنذ سنين انقضت وأنا أتأمل كل وصايا الشهداء التي كتبوها، لطالما حيرتني تلك الوصايا، مختصرة سريعة مختزلة فاقدة للبلاغة ولا تشفي غليلنا في البحث عن أسئلة الشهادة".
"وأنا الآن أسير إلى حتفي راضيًا مقتنعًا وجدت أجوبتي"، تخبرنا وصيته "يا ويلي ما أحمقني! وهل هناك أبلغ وأفصح من فعل الشهيد، وكان من المفروض أن أكتب هذا قبل شهور طويلة إلا أن ما أقعدني عنه هو أن هذا سؤالكم أنتم الأحياء، فلماذا أجيب أنا عنكم فلتبحثوا أنتم أما نحن أهل القبور لا نبحث إلا عن رحمة الله".
لم تنتهِ الأفكار الكبيرة التي يبدأها الشهداء، فالبداية كانت من اختفاء باسل وعدد من رفاقه في نهاية آذار عام 2016، ثم عُثر عليهم في سجون السلطة لمدّة خمسة شهور، بعد خوضه ورفاقه إضرابًا عن الطعام، فأطلق صراحهم في أيلول، لكنّ الاحتلال اعتقل رفاق باسل الستة واستمر بمطاردته.
وخلال البحث عنه، اقتحمت قوات الاحتلال منزل عائلته عدّة مرّات، إلى أن حاصرته فجرًا، يوم الإثنين، الـ 6 من مارس، العام الماضي، في منزل بمحيط مخيّم قدورة واشتبك معهم لساعتين، وعندما عجز الاحتلال أطلقوا على المنزل قذيفة من نوعه "أنيرجا" أدت إلى تدمير أجزاءٍ منه، واقتحموه ليطلقوا عليه وابلًا من الرصاص عن قرب، حتى استشهد.
في بيت العزاء، رفع الأهالي أعلام فلسطين في الولجة، حيث ولد، رفضًا لما طلبه الاحتلال –نقل بيت العزاء إلى منطقة أخرى غير الولجة- وعندما جاء الضابط الصهيوني ليعرض صورة الشهيد على والده (والد باسل) قال "قبل ما تشوف صورة الجثة عشان تتعرّف عليها لازم تكون فاهم إنها بتختلف حاليًا عن صورته، وممكن تكون مشوهة بفعل الرصاص والشظايا"، فردّ أبو السعيد (أبو باسل) بعد المعاينة "الله يرضى عليه، عمري ما شفته أحلى من اليوم".
عاش الباسل أجواء فلسطين كلها، فلم يبقِ على عمليةٍ إلا وعرف عنها، كما كتب كثيرًا في الحريات، والانتفاضة، والواقع الضبابي الذي ينشره الاحتلال داخل الأراضي المحتلة، رافضًا أي حالة هدوء للمقاومة الشعبية، لما تترك خلفها عملية جرد كبيرة من قبل السلطة والاحتلال.
قال باسل في إحدى مقالاته: "اليوم الأمور تتغير، اليوم يُخلق بشرٌ جديدون، اليوم يٌبعث أناسٌ لا يقبلون الدنية في دينهم ووطنهم، اليوم تُقلب الصّفوف ليصبح الآخِرون هم الأولون والأولون هم الآخِرون، والقيادات التّقليديّة المحليّة التي طالما ساومت ولم تكن بقدر المسؤولية في طريقها لفقدان مواقعها لصالح شريحة أوسع كثيرًا تنظم نفسها أفقيًا وبدون تمثيل".
وناقش في مقالات أخرى قصص للشهداء، وروى العديد من الحكم ليختم إحداها "عش نيصًا وقاتل كالبرغوث" كما فعل في لحظة اشتباكه مع الاحتلال دون أن يسلم روحه لهم.
نشر باسل في إحدى مقالاته "منذ أن ادعيت أنني أصبحت واعيًا (على افتراض غياب فكرة الوعي الزائف) لم أعد أبدًا إلى تبسيط الصراع، لم أعد أرى كما تمّ تلقيني منذ الصغر أن هذا صراع بين عرب ويهود، بين فلسطيني واسرائيلي، وهجرتُ تلك الثنائية إلى غير رجعة، تركت تلك النظرة التبسيطية الساذجة، واقتنعت بتقسيمات علي شريعتي وفرانز فانون لهذا العالم".
"ستجد في كل معسكر من المعسكرين أناسًا من كافة الأديان واللغات والعرقيات والأثنيات والألوان والطبقات، فستجد مثلاً في هذا الصراع أناسًا من أبناء جلدتنا يقفون وبكل فظاظة في المعسكر الآخر، وفي نفس الوقت ستجد يهودًا يقفون في معسكرنا" لقد عاش جيدًا في فلسطين والكتب، لم يترك باسل الميدان وحيدًا دون علم، فكان أوعى من الوعيّ المزيّف الذي يدعيه الآخرون.