بقلم/ ياسر الزعاترة
بوسع أي أحد يراقب المشهد العربي الراهن في تعاطيه مع القوى الدولية أن يرى حجم المكاسب التي صبّت في جيوب أعداء الأمة، جرّاء حالة الاشتباك الراهنة وغير المسبوقة في المنطقة.
صفقات بمئات المليارات صبّت في جيوب الأميركان والروس والصينيين وغيرهم، ومكاسب بلا حصر صبّت أيضاً في صالح الكيان الصهيوني الذي لولا الحريق الراهن، لما تجرأ أصلاً أن يطلب من ترمب الاعتراف بالقدس عاصمة له، فضلاً عن تقديم موعد نقل السفارة على هذا النحو المستفز وغير المتوقع، ودعك هنا من الغزل السري والعلني الذي نتابعه منذ شهور طويلة، ومعه دعم البعض لما يسمى «صفقة القرن» التي تبناها ترمب، وصمتهم على مواقف ترمب حيال القضية الفلسطينية.
واللافت بالطبع أن كل ما دفع ويُدفع من صفقات للقوى الكبرى لم يكن سوى محاولة لكسبها في الصراعات البينية، إذ دُفع للأميركان من أجل استمالتهم ضد إيران، ولم يسفر ذلك عن شيء، ودفعت لها أطراف الأزمة الخليجية من أجل استمالتها، دون أن يكون هناك حسم لصالح أي طرف ، وتم دفع الكثير لروسيا من أجل إبعادها قليلاً عن إيران، من دون أن يسفر ذلك عن تغير لافت، كما تأكد بإفشال موسكو قراراً أممياً يتعلق بدعم الحوثيين في اليمن. وحتى العلاقة مع الصين لم تسفر عن تغيير في موقفها من الملف السوري، على سبيل المثال، (لا نتحدث عن غياب المجاملة، ولو المحدودة عبر تخفيف مستوى اضطهادها للأقلية المسلمة في الصين ذاتها). أما الغزل مع الكيان الصهيوني وبيعه المواقف، فكان الأكثر بؤساً، لأنه لا يتم إلا وفق منطق أنهم حملة مفاتيح البيت الأبيض.
إيران عملت الكثير والكثير من أجل كسب الروس، لكن بعض المنابرالإعلامية تشير إلى أن موسكو حليف سيء. وكمثال على ذلك ما ذكرته صحيفة «أفتاب» قبل أيام بقولها إن «تل أبيب بمثابة روسيا الثانية بالنسبة لموسكو». وأضافت: «صحيح أن الانتشار المتزايد للروس في منطقة الشرق الأوسط كان للحفاظ على بشار الأسد في السلطة، ولكن هذا التدخل لم يكن سيئاً بالنسبة لإسرائيل. ومنذ اليوم الأول دعمت تل أبيب تدخل موسكو في سوريا». ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل يتم الحديث عن تناقضات كثيرة في سوريا، تتعلق بطبيعة الوجود، وحجمه، وإعادة الإعمار.
تركيا بدورها، لم تَحُلْ عضويتها في «الناتو»، وعلاقاتها الاستراتيجية مع واشنطن دون دعم الأخيرة للأكراد الذين يهددون وحدتها (أي تركيا)، كما لم تمنع علاقاتها مع الروس من استمرار الاشتباك في سوريا.
صحيح أن السياسة مركبة ومعقدة، ومن يتحالفون هنا، يمكن أن يقتتلوا هناك، لكن ذلك ليس وحده ما يفسر المشهد الراهن، إذ إن جوهره يتعلق بلعب الآخرين على تناقضات المنطقة، والاستفادة منها إلى أبعد حد، وإن كانوا في مأزق أيضاً، بسبب طبيعة المنطقة، ورمالها المتحركة.
لا حل لهذه المسلسل من الجنون سوى في بعدين، الأول تجاوز خلل الأولويات الراهن، وتسوية الأوضاع العربية، ولو في الحد الأدنى، وفي المقدمة الأزمة الخليجية. أما الثاني ففتح حوار إقليمي بين قوى المنطقة الثلاثة (العرب، وتركيا، وإيران)، من أجل التوصل إلى قواسم مشتركة لما فيه مصلحة الشعوب، بعيداً عن أوهام القوة والتمدد. متى سيحدث ذلك؟ لا ندري بالطبع، لا سيما أن القوى الدولية المستفيدة ستظل حريصة كل الحرص على دوام حالة الشرذمة الراهنة.
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز"