قائمة الموقع

خبر 77 عامًا على ميلاد درويش..'هزمتك يا موت، وأنت انتصرت'

2018-03-13T07:55:47+02:00

شمس نيوز/ صابرين محمد عزيز

هل تستطيع إخبارنا شيء عن موتك؟!

"حققتْ تجربة الموت لي شيئًا مهمًا، فلم يعد يخيفني بتاتًا، إنه مثل النوم على سحابٍ أبيض، وجسمي خفيف، أو ربما لم يكن لي جسد، وعندما شعرت بالوجع كانت لحظة رجوعي إلى الحياة، بينما في الموت الآخر؛ كانت التجربة قاسية وتعذبت لأنه مثل صراع، فالصراع مع الموت هو الذي يشكل الوجع والألم، ليس الموت نفسه"، يصف الشاعر محمود درويش "موته".

مرّ درويش بتجربة الموت في سنة 1984، ومرّة أخرى في عام 1998م، خلال إجراء عملية لقلبه المنهك بالتجارب، سريعة ومفاجئة، كما أنّ احتمالية النجاة كانت قليلة جدًا، معقبًا بعد العودة "الحياة مجرد هدية لا تستحق أكثر من أن تعاش، نسيت خلال موتي لغتي، لكني رأيتُ أبي علاء المعري وجلست مع رينه شار". 

وقبل 2008، أي وفاته (درويش) الحقيقي، كتب "جدارية الموت" وتجربته مع السحاب الأبيض الخفيف قائلًا: "هزمتك يا موت، الفنون الجميلة جميعها هزمتْكَ، يا موت الأغاني في بلاد الرافدين، مسلة المصري، مقبرة الفراعنة، النقوش على حجارة معبد.. هزمتك.. وأنت انتصرت".

من البداية**

ولد درويش يوم 13 مارس 1941م، في قرية البروة، في الجليل قرب ساحل عكا، حيث كانت أسرته تملك أرضًا هناك، ومع النكبة اضطرت للرحيل إلى لبنان، ثم عادت (العائلة) متسللة عام 1949، لتجد القرية مهدّمة وأقيم في مكانها أراضٍ زراعية للاحتلال الإسرائيلي.

بعد إنهائه تعليمه الثانوي في مدرسة يني في "كفرياسيف"، انتسب إلى الحزب الشيوعي الإسرائيلي وعمل في صحافة الحزب، مثل الاتحاد والجديد التي أصبح فيما بعد مشرفًا على تحريرها، كما اشترك في تحرير جريدة الفجر، والكرمل.

اعتقلت سلطات الاحتلال درويش مرارًا؛ بدءًا من عام 1961 بتهم تتعلق بتصريحاته ونشاطه السياسي، وفرضت عليه إقامةً جبرية، حتى نفد بجلده عام 1972 متوجهًا للاتحاد السوفييتي للدراسة وهربًا من مضايقة العدو، لكنه لم يتحمل العيش في موسكو، لينتقل بعد ذلك إلى القاهرة، ثم بيروت وتونس وباريس التي رفضت دخوله أول مرّة لعدم قدرتها فهم التعقيدات الفلسطينية، لينتهي به المطاف متنقلًا بين عمان ورام الله.

العودة إلى حيفا **

دخل درويش حيفا بعد 40 عامًا من مغادرتها، وذلك للمشاركة في جنازة رفيقه الكاتب إميل حبيبي.

 كان "دخولًا حائرًا خجلًا" يصف درويش "عودته" برغم استقبال الناس له في الشوارع والطرقات، لكنه دخل زائرًا فلم يشعر بامتلاء حقيقي، مزيج من الانكسار والحنين سيطر عليه، وقال حينذاك "عندما رأيت المكان شعرت بأني حصلت على حياة جديدة، على حياة أُخرى، من هنا أدركت أن لا علاقة حقيقية بالمكان إلاّ إذا كانت هناك ذاكرة فيه يحملها صاحبه".

ويضيف في إحدى مقابلاته الصحافية، "أي مكان ليست لك فيه ذاكرة يبقى مكانًا عابرًا، وتبقى إقامتك فيه إقامة عابرة من دون أن تتغلغل في نسيج البنية النفسية الداخلية؛ فعلاقتي بالمدن الآن أصبحت علاقة باردة، وتعبت من الترحال، أتمنى أن أبقى في مكان واحد".

 أعمال وجوائز **

"عصافير بلا أجنحة" المجموعة الشعرية الأولى التي خرجت لدرويش، لكنه حذفها، ولم يقبلها بعد تطوره الشعري. ثم كانت مجموعته التالية " أوراق الزيتون". زخرت حياة درويش بالكثير من الأعمال الشعرية منها: "آن لي أن أعود"، "أثر الفراشة"، "في حضرة الغياب"، "لماذا تركت الحصان وحيدًا"، "لا أريد لهذه القصيدة أن تنتهي" وأخرى.

وكتب أيضًا نص وثيقة الاستقلال التي وصفها رئيس السلطة الراحل ياسر عرفات، بأنها "أجمل ما كتبه درويش"

نال درويش عدّة جوائز عالمية ودولية، منها جائزة لوتس اتحاد كتاب آسيا وإفريقيا في الهند عام 1969، وجائزة البحر المتوسط، المركز الثقافي المتوسط باليرمو، ايطاليا عام 1980، ودرع الثورة الفلسطينية، منظمة التحرير الفلسطينية عام 1981، بالإضافة إلى جائزة أبي علي بن سينا الدولية في الاتحاد السوفيتي عام1981، وجائزة لينين، من قبل الاتحاد السوفيتي في الاتحاد السوفييتي عام 1983، والعشرات من الجوائز الأخرى.

أحب شعره الأعداء أيضًا**

ذات مرّة، سئل رئيس وزراء الاحتلال الراحل أرئيل شارون، في مقابلة صحافية عما يقرأ، فقال إنه يقرأ رواية لكاتب إسرائيلي، فقال له الصحافي إن هذا الكاتب يساري ويكرهك، فقال له شارون: إنني أميز بين الإبداع والسياسة، صحيح أنني ضد أفكاره وهو ضد أفكاري، لكنني مستمتع بروايته؛ مضيفًا: أنا أقرأ حتى محمود درويش وأنا معجب بديوان "لماذا تركت الحصان وحيداً؟" لأن هذا الإعجاب قادني إلى الإعجاب بتعلق الشعب الفلسطيني بقضيته وأرضه.

الرحلة الأخيرة**

ذهب درويش إلى مدينة هيوستن إلى مركز تكساس الطبي في الولايات المتحدة الأمريكية ليجري عملية القلب المفتوحة، فدخل بعدها في غيبوبة جعلت الأطباء هناك ينزعون أجهزة الإنعاش كما وصّاهم ليتوفى عن عمر 67عامًا، يوم السبت التاسع من أغسطس عام 2008، ويكون بذلك رحل الشاعر الكبير في أرضٍ بعيدة عن قلبه، لم يتوفَ في رام الله أو القاهرة أو عمان، دولة يسمع أسماء شوارعها العربية كما يحب، وكان قد قال:

وأبي قال مرة:

الذي ما له وطن

ما له في الثرى ضريح

..و نهاني عن السفر.

عاد جثمانه إلى رام الله في 13 أغسطس، ودفن في قصر رام الله وأعيد تسميته ليكون "قصر محمود درويش للثقافة"، ليصبح له الاسم والمكانة التي رفض إنشاءها وهو على قيد الحياة، إذ رفض أن يؤسس لنفسه متحفًا.

وقال في أشعاره:

كيف أكتب فوق السحاب وصية أهلي؟ وأهلي

يتركون الزمان كما يتركون معاطفهم في البيوت، وأهلي

كلما شيدوا قلعةً هدموها لكي يرفعوا فوقها

خيمة للحنين إلى أوّل النخل، وأهلي يخونون أهلي

في حُروب الدفاع عن الملح، لكنَّ غرناطة من ذهب

.....

 هنا،

عند مُنْحَدَرات التلال،

أمام الغروب وفُوَّهَة الوقت،

قُرْبَ بساتينَ مقطوعةِ الظلِ،

نفعلُ ما يفعلُ السجناءُ،

وما يفعل العاطلون عن العمل:

نُرَبِّي الأملْ.

**

لنا أخوة خلف هذا المدى

أخوة طيبون، يحبوننا، ينظرون إلينا

ويبكون، ثم يقولون في سرهم:

" ليت هذا الحصار هنا علنيّ.. ."

ولا يكملون العبارة: " لا تتركونا

وحيدين... لا تتركونا"

**

خطى الأنبياء على الرمل أقوى، وكان

الطريق إلى الله أقصر

اخبار ذات صلة