بقلم: طلال عوكل
غدًا الجمعة، الثلاثون من آذار، الذي يصادف الذكرى السنوية ليوم الأرض، والتي تحرك كل الفلسطينيين، أينما كانوا داخل وخارج الأرض الفلسطينية المحتلة. في مثل هذه الذكرى يخرج الفلسطينيون ليعبّروا عن تمسكهم بأرضهم، ورفضهم للمخططات الاستيطانية الإسرائيلية، تلك المخططات التي لا تميز بين حقوق مواطنيها من الفلسطينيين في أراضي 1948، وبين حقوق الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1967، فالأرض هي الهدف.
في هذا العام، يختلف الأمر عن الأعوام السابقة، بالتوازي مع تصاعد المخططات الأميركية الإسرائيلية التي تصادر العاصمة الفلسطينية، وتصادر حق عودة الفلسطينيين، وتستهدف تشتيت الفلسطينيين بين غزة وضفة وشتات، ومصادرة الجزء الأكبر من أراضي الضفة الغربية.
الولايات المتحدة وإسرائيل، أعلنتا الحرب على الأرض، كل الأرض وعلى الحقوق كل الحقوق الفلسطينية، ولذلك لم تعد أشكال النضال الروتينية المعتادة تستجيب مع هذا التصعيد الخطير.
من غزة المحاصرة، والتي تئن تحت ضغط العزلة، والكوارث الإنسانية، والإحباط من إمكانية كسر الحصار، وتحقيق المصالحة، يتفتق العقل الفلسطيني، فيبدع شكلًا جديدًا من أشكال المجابهة الأكثر فعالية.
لم تكن الفكرة من بنات أفكار الفصائل، وإنما جاءت من قبل عدد من النشطاء الوطنيين، الذين أبدعوا فكرة مسيرات العودة، وقاموا بالتنسيق مع الضفة، ومناطق 1948، والأردن وسورية، ولبنان، بحيث تتوجه الحشود نحو الحدود، رافعة راية حق العودة.
يوم الأرض غدًا سيكون يوم خروج آلاف الفلسطينيين من كل الجبهات نحو الحدود، ليقدموا للعالم رسالة تمسكهم بحق العودة، واستعدادهم للتضحية من أجل تحقيق هذا الهدف.
وإذا كان الاشتباك بين الاحتلال وفلسطينيي الضفة يتخذ طابعًا يوميًا، بسبب التداخل مع الوجود الاحتلالي والاستيطاني، وإذا كان الفلسطينيون في الأردن وسورية ولبنان، محكومين في طبيعة نشاطهم لحسابات الواقع الذي يعيشونه، فإن سكان قطاع غزة، يقع عليهم العبء الأكبر، وعبء الاستمرارية، وفق حسابات مختلفة.
الترتيبات الجارية في القطاع، والتحقت بها الفصائل، تتخذ طابعاً سلمياً وتحرص على الابتعاد عن الحدود، بمسافة لا تقل عن سبعمائة متر، وضعت سواتر ترابية، لمنع الشباب من اجتيازها، حتى لا توفر لإسرائيل مبررًا لاستخدام العنف المفرط.
ووفق الترتيبات، يتم نصب خيام دائمة، ثمة عشرات العوائل المستعدة للإقامة فيها، خصوصًا أن عددًا كبيرًا من العائلات لا يجد له مسكنًا بعد حرب 2014، ولا قدرة لدى هذه العائلات على دفع استحقاقات، الإيجار، فضلًا عن آلاف العائلات التي تفتقد الحد الأدنى من مقومات الحياة بأبسط متطلباتها، أي أن ثمة عشرات آلاف البشر، الذين يعيشون وظهورهم إلى الحائط، وبالتالي ليس لديهم ما يخسرونه سوى فقرهم وأوجاعهم، ويأسهم.
كانت إسرائيل تعمل كل الوقت منذ إعادة انتشار قواتها ومستوطناتها في قطاع غزة عام 2000، من أجل إخراج غزة وما فيها من معادلة الصراع، وحشرها بالحصار، أملًا في أن تدفع القطاع نحو الاعتماد على مصر، وتقييد الاشتباك بين الاحتلال والقطاع، بالبعد العسكري الذي ترى فيه لعبتها. ومنذ سنوات الاحتلال يتحدث عن احتمالات وقوع الانفجار في القطاع، بسبب ضغط الحصار، والحروب الإجرامية، وفي ظل استمرار الانقسام، الذي تلعب إسرائيل في تعميقه دورًا أساسيًا. الحراك الذي يجري يوم غد، يفرض على إسرائيل إعادة النظر في حساباتها الاستراتيجية، فالفلسطينيون قادرون على تعظيم الاشتباك مع الاحتلال، وقادرون على توجيه غضبهم وانفجارهم في وجه الاحتلال حيث تؤكد مثل هذه الفعاليات، أن القطاع لا يزال تحت الاحتلال، وأن الشعب الفلسطيني كل واحد موحد حتى لو أن فصائله كانت على خلاف، أو انقسام.
لم تخدع النزعة الإنسانوية الكاذبة، لا سكان القطاع ولا غيرهم، فالاحتلال هو أصل البلاء وفرعه، الذي يعاني منه الناس في هذا الجزء من الوطن، الذي لا تنجح كل المخططات الإسرائيلية في النيل من وحدته، وصموده. يدرك الفلسطينيون في غزة وفي غير غزة أن هذه النزعة، الإنسانوية الكاذبة، تنطوي على استهدافات سياسية تخدم المخططات الإسرائيلية التي تسعى بدعم أميركي مفضوح لمصادرة الحقوق الوطنية الفلسطينية، ومنع إقامة دولتهم وعاصمتها القدس على الأراضي المحتلة عام 1967. وفي ضوء تدهور عملية المصالحة الفلسطينية، وعودة الأطراف إلى مربع الاتهامات والتحريض المتبادل، تبدو مسيرات العودة، وكأنها أحد المخارج أو الخيارات التي ضاقت كثيرًا.
إسرائيل مرتبكة ويسيطر عليها القلق بسبب معرفتها لطبيعة هذا الحراك وأهدافه، وسلميته، وغياب المعرفة، للطرق والوسائل التي تمكنها من منع وقوعه، وإن لم تنجح فمنع تطويره واستمراره.
تتحدث إسرائيل عن وعود، وإجراءات لتقديم مساعدات لسكان القطاع، ولكنها تعلم أن كل هذه الوعود والإجراءات لن تجدي نفعًا، لذلك، فإنها أخذت تدق طبول الحرب. وعلى الرغم من أن التحليل يقول إن لا فصائل المقاومة في غزة، ولا إسرائيل، في وارد الاندفاع نحو التصعيد العسكري، وكل لأسبابه، إلاّ أن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، أيزنكوت بدأ يتحدث بوضوح عن سخونة جبهة غزة في هذه الفترة. يعني ذلك أن إسرائيل ستستخدم كل الوسائل التي بحوزتها، لمواجهة هذا الحراك بما في ذلك إطلاق الرصاص الحي، وإسقاط أعداد كبيرة من الشهداء والجرحى، لردع الفكرة، ومنعها من أن تتطور، حيث من المقرر أن يستمر هذا الحراك ليتوّج بخروج مئات الآلاف في يوم النكبة منتصف أيار القادم. مصلحة إسرائيل تقتضي استدراج الفلسطينيين نحو توفير المبرر لارتكاب جرائم بحق المحتجين، ولذلك يمكن أن تشغّل عملاءها، ما يقتضي من الفلسطينيين الانضباط الشديد للترتيبات التي اتخذوها.
صحيفة الأيام
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز"