شمس نيوز/ توفيق المصري
اختفى النور برصاصة واحدة من قوات جيش الاحتلال، بعد أن خطفت الشهيد جهاد أبو جاموس (27 عامًا) من بلدته بني سهيلا شرق مدينة خانيونس، جنوب قطاع غزّة، في "مسيرة العودة" السلمية يوم الجمعة الماضية.
"عمري 55 عامًا، وما مر كنت أعدّه سهلًا؛ لكنني الآن ويشهد ربي أحسبه 200 سنة.. فمن سيعينني بعدما رحل من استغنيت لأجله وبوجوده عن عكازي؟".. بهذه الكلمات بدأ والد الشهيد أبو جاموس حديثه.
وإلى جانب الوالد الكفيف "زهير"، كان جهاد لإخوته الأربعة الكفيفين أيضًا، سندًا وعونًا، حتى أنّ وجوده بعينه المُبصرة دفعهم للاستغناء جميعًا عن العكاز ودليل الطريق.
يقول الأب زهير لمراسل "شمس نيوز" وعيناه تذرفان الدمع، أثناء استعادة ذاكرته للحظات الأولى من الخبر: "قيل لي ابنك جهاد مصاب، وفي طريقي للمستشفى أتاني اتصال مفاده أنه استشهد.. حتى في طريقي للمستشفى افتقدته؛ كان يأخذ بيدي ويطلعني كل مشاويري، وحين أريد الذهاب لأي مكان فإني أفتقد جهاد، وأتخيله يمشي بجانبي".
يبكي بحرقة وهو يقول كلماته تلك: "أنا الأن فقدت أغلى شيء عندي، فلو فقدت كل شيء عدا جهاد لكان أمرًا عاديًا بالنسبة لي، من سيطرق بابي ويضحكني ويخفف عني أوجاعي أنا ووالدته بعد اليوم، هو كان لي الأخ والحبيب والرفيق، وهو المعيل لنا، فمن سيعيلنا بعد رحيله؟".
تقاطعه زوجته تهاني أبو جاموس (47 عامًا)، والدة الشهيد جهاد لتقول: "كان يطلعه بشكل شبه يومي، وحين كان يحتاج شيئًا هو من كان يساعده"، متابعةً أنها استشعرت منذ قدوم جهاد على هذه الدنيا، وبعد أن كان بصحة وليس كفيفًا كباقي إخوته الأربعة (شيماء وديانا وياسمين وسفيان) وأبيه زهير، بأنه سيحمل على عاتقه مسؤولية كبيرة.
وتضيف الأم المكلومة مستشعرة بالمسؤولية الكبيرة التي خلفها رحيل ابنها، وقطعت حديثها مستذكرة فرحتها حين وضعت جهاد ورأته بصحة قائلة: "لم أتوقع بأنه سيكون لدي أبناء معاقين، لكنني أحمد الله رب العالمين بأن أكرمني بهم وأفتخر فيهم؛ فمنهن من يذهبن لجامعة المكفوفات، لكن الحياة لم تساعدنا حتى يكملن تعليمهن".
وتتابع: "منذ ذلك الحين، علمت بعدما وضعت المبصر الوحيد دون أبنائي، بأنه سيحمل مسؤولية كبيرة كون انو الوحيد اللي بشوف فيهم، ففي طفولته كان أكبر من عمره، وكان يقول لي ولوالده سأساعدكما".
وتردف: "رغم صعوبة الوضع عليّ، إلا أن جهاد أكبر إخوته كان يساعدني، ويريح نفسيتي، لأن عندي 4 أولاد كفيفين وأب خامس، وأنا مريضة سكري، وأعاني من بتر لإصبع في قدمي، كان يعيلنا، هو وأخيه الأصغر منه زكريا 22عامًا والذي يرى وليس كفيفًا".
قبل يوم من رحيل جهاد، ذهبت الأم تهاني إلى الحدود شرق خان يونس، وكان يسبقها ابنها جهاد مع زوجته، فسألته: "لمَ لمْ أراك صباح اليوم الخميس، فلم تأت لتزورنا كعادتك"، فرد عليها: "لقد تعبت من هذه الدنيا" فهونت عليه وقالت له: "الأوضاع صعبة علينا جميعًا".
كانت حياة جهاد بسيطةً، ويقتات هو وزوجته و4 أطفال (ولدين وبنتين)، وعائلته، من عمله في جمع البلاستيك والألمنيوم ليبيعه، مقابل 10 شواكل في اليوم، أو بحد أقصى 15 شيكل، وفق والدته التي كانت تقول له مراعيةً وضعه: "يما أعطيني بس 2 شيكل منهم وبمشي حالي فيهم، وانتا روح لعيالك والله يسهل ويرضى عليك، واحنا ناس عايشين على قد وضعنا".
أما أخت الشهيد شيماء (18 عامًا)، فكانت تتمنى من الله أن يعيد لها نظرها لترى وجه من كان أخًا وصديقًا وأبًا لها في نظرة الوداع، مستذكرة آخر المواقف بينها وبينه قبيل أيام من استشهاده قائلةً: "يوم الاثنين الماضي كان على باب البيت حين خروجي للمدرسة لتقديم امتحان، فقلت له، لأنني تصبحت بوجهك سيكون امتحاني سهلاً، فرد بـ (إن شاءالله ربنا يوفقك)".
يومها لم يتركها جهاد تذهب لوحدها للمدرسة، فكعادته أمسك بيدها، وأوصلها لمدرستها شهداء بني سهيلا، البعيدة عن بيتهم، وظل ينتظرها حتى انتهت، وحصلت على نتيجة امتياز، واطمئن عليها حتى أودعها داخل المنزل.
وتستذكر شيماء، حين كان يطعمها هي وإخوته الكفيفين بيديه، وكل مواقفه وطيبته وحنيته عليهم، لكن ما يشغل بالها، بأن الدنيا ستكون صعبة عليهم بعد رحيله، متسائلةً من سيأخذ بيدها ويوصلها لمدرستها بعد أن قتل الاحتلال السند؟.
مرفق الفيديو..