شمس نيوز/ صابرين عزيز
جاء الباص إلى مخيم العودة بموقع ملكة، شرق الشجاعية، في الرابعة مساءً، نزل البهاء رويدًا رويدا، أقصد فكرته، ثم بدأتْ بترتيب نفسها، شبابًا وبنات، أخذت الأماكن تتغطى، وانطلقتْ "سلسلة القراءة الكبرى"، سلميةً لتبث مقاومة الشعب بالفكر.
ومن القدس المحتلة، نزل والد الشهيد بهاء عليان، محمد عليان، من ركّاب الباص، ركّاب الفكرة وليس باص غزّة، "تخيل كتابًا بيد طفلٍ يكون هدفًا لقناص الاحتلال فيطلق رصاصة تستقر في صفحات الكتاب لتحميه (الطفل) وتعيد إليه الحياة"، مسجلًا تأييدًا غير مشروط أو محدود لمسيرة العودة لتعبيرها عن حق لا يخضع للتقادم تتناقله الأجيال.
فوصف عليان لـ" شمس نيوز"، بعد تحية وفخر عائلات الشهداء لغزّة، مبادرة إقامة سلسلة قارئة في "مسيرة العودة" قائلًا: "إن ذلك يثير الفرح والبهجة في قلوب عائلات الشهداء الذين يشتمون الآن عبق الورد الذي زرعه أبناؤهم في بستان الوطن".
كما يرى أنها ليست مجرد فرصة للقراءة؛ إنما وسيلة حضارية إنسانية نخلد من خلالها إرث الشهداء وروايتهم وتاريخهم، لتأكد على أنهم ليسوا أرقامًا ينساهم الشعب بعد أيام، بل هم فكرة ورسالة نحملها ونجوب بها أنحاء العالم لنصنع منها الحياة بحرية وكرامة.
ويدحض عليان روايات الاحتلال عن غزّة وتوقها للموت واصفًا:" تثبت غزة التوق والشغف للحياة من خلال مسيرة العودة، دون راية إلا العلم الفلسطيني بألوانه الأربعة، ودون اشتباك إلا اشتباك الوعي والفكر، شعب غزة يقرأ .. شعب غزة يقاتل .. انها ثقافة الاشتباك بروح الشهيد باسل الاعرج.
أمّا من باص غزّة، شاركنا منظم الفعالية، آدم المدهون، قائلًا:" السلسلة تأتي وفاء للشهيد المثقف بهاء عليان، صاحب السلسلة الأولى والفكرة في تعزيز القراءة الشبابية على أسوار القدس في تحدي للاحتلال"، ناسبًا الأفكار لأهلها وأصحابها.
وعن الخدمة التي تقدمها القراءة، أضاف المدهون:" من خلال زيادة الوعي الثقافي لدى الشباب وتوجيه رسالة ثقافية للعالم أجمع، بأنّ هذه المسيرة سلمية وستبقى كذلك، كما ستحرج الاحتلال أمام العالم بأنه لا يفهم إلا لغة القوة، فمن خلال الفعالية ننقل تفاصيل الحياة اليومية للمواطن الفلسطيني على الحدود".
ومع كتاب يحيى الحمادي، الشاعر اليمني، حيث يعتبر من الشعراء الذين اججوا الثورة اليمنية، أتت الشاعرة أمل أبو عاصي ورمزية الاختيار، قائلة:" إنّ نصوصه تتحدث عن الثورة اليمنية ودور الشباب في تغيير المجريات، فأعتقد أننا في فلسطين نحتاج لهمة وعزيمة الشباب لمجريات الأمور".
وترى أنّ الشباب يستطيعون الانتقال بنا إلى مرحلة جديدة في القضية، بإيمانهم أن "النعل القديم يبدو أجمل ألف مرّة من الوردة، عندما يصفع وجه الطاغية الجبار"، مشيرةً إلى دور العديد من شعراء الدول العربية في القضية الفلسطينية.
وبين المشاركين، جاء الشاب مصطفى الدهدار يحمله عكازيه، بعد إصابته بقدمه اليمنى من الاحتلال الإسرائيلي، خلال أحداث الجمعة بينما يوزع الماء في عملٍ تطوعي، ليقول:" أنا متواجد لأثبت استمراري بالفكرة وإيماني بها، أحببت المشاركة لتأكيد المثقف أول من يقاوم وآخر من ينكسر".
وبرفقة غسان كنفاني، أرض البرتقال الحزين خاصة، يتابع الدهدار:" دمائي أنارت لي الطريق، أذكر أن الشهيد فتحي الشقاقي، قال: لا تصدقوني إلا إذا رأيتم الدم على بطني"، لافتًا إلى أحلام الشهداء والأرض.
رحل الباص وبقي البهاء، فكرةٌ تتجدد كلما جاء ذكر الوطن، وحَلُم رفاقه بكتف الشهيد، غادر الباص إلى غزّة، السرايا تحديدًا حيث مكان التجمع، لينفض اللقاء وفي قلب الواحد منا بهاء آخر، متى ستعلن فلسطين حرّة في القراءة حول الحدود كاملة دون احتلال، لا حدودها مع مدنها، بل مع الدول الرفيقة المجاورة؟!