بقلم: هاني حبيب
بحسب مسوّدة البيان الختامي للقمة العربية التاسعة والعشرين المنعقدة اليوم في الدمام شرق المملكة العربية السعودية، اكدت القمة مركزية قضية فلسطين بالنسبة إلى الأمة العربية، والتمسك بالهوية العربية للقدس الشرقية المحتلة عاصمة الدولة الفلسطينية، وعلى حق دولة فلسطين في السيادة على جميع الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، بما فيها القدس الشرقية ومجالها الجوي ومياهها الإقليمية وحدودها مع دول الجوار، في سياق تمسك القمة بالمبادرة العربية لعام 2000 بكل عناصرها. ورداً على شائعات طالت قرارات القمة المرتقبة، أشارت مسوّدة البيان الختامي إلى رفض وإدانة قرار الولايات المتحدة الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل، ونقل سفارتها إليها، باعتباره قراراً باطلاً وخرقاً خطيراً للقانون الدولي وقرارات مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة ذات الصلة، والفتوى القانونية لمحكمة العدل الدولية في قضية «الجدار العازل»، ونأمل أن يتبنى البيان الختامي للقمة العربية خطة الرئيس عباس التي عرضها على مجلس الأمن في شباط الماضي، رغم أنها تعتمد في جوهرها المبادرة العربية، ما يفرض على الجانب الفلسطيني تأكيد هذا التبني خلال مداولات القمة بالنظر إلى الأهمية التي تنطوي عليها هذه الخطة التي تعتبر عنوان المواجهة مع «صفقة القرن» الأميركية.
وبقراءة سريعة لما جاء في مسوّدة البيان الختامي للقمة العربية، حول القضية الفلسطينية، يمكن القول إن القمة تمسكت بموقفها التقليدي الداعم والمساند لقضية الشعب الفلسطيني في إطار الصياغات المعلنة، والجديد في هذا السياق، جملة الإشاعات التي سادت الأجواء السياسية والإعلامية في المنطقة العربية حول حقيقة الموقف العربي، وموقف بعض الدول، من القرارات الأميركية الأخيرة المتعلقة بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وما قيل عن تغطية عربية لـ»صفقة القرن» الأميركية، جاءت مسوّدة البيان الختامي لترد بقوة على مثل هذه الأقاويل والشائعات لتضع حداً لأي تشويه متعمد في كثير من الأحيان، لمواقف بعض الدول على ضوء جملة من التقاطعات والخلافات والمنازعات بين المحاور العربية المختلفة، إذ رغم ذلك كله فإن المنظومة العربية لا تزال عند موقفها التقليدي إزاء دعم قضية الشعب الفلسطيني على الأقل في مجال صياغات المواقف في القمم العربية، الأمر الذي يفرض أن تجد هذه الصياغات ترجمة حقيقية وفاعلة على الأرض والواقع، إذ من الواضح أن القضية الفلسطينية قد تراجعت من الناحية العملية لتفرض نفسها على أولويات الأجندات العربية السياسية والعملية في السنوات الأخيرة، ما يفرض على الجانب الفلسطيني في مداولات القمة حث القمة العربية على تنفيذ قراراتها السابقة المتعلقة بالقضية الفلسطينية، حيث إن هذه القرارات لم تأخذ طريقها نحو التنفيذ العملي!
كما أن الصياغات الواضحة حول الموقف العربي من القرارات الأميركية المتعلقة بالقدس المحتلة، يؤكد على فشل كافة الضغوط للتعاطي العربي مع «صفقة القرن» الأميركية، رغم كل التسريبات التي أشارت إلى ضغوط عربية على الجانب الفلسطيني لتعديل موقفه إزاء معارضته الشديدة لهذه الصفقة، ناهيك عن وقف أي شكل من أشكال الاتصال بالإدارة الأميركية حول هذا الأمر، بعدما اعتبرت القيادة الفلسطينية أن الولايات المتحدة انتقلت من دور الوسيط غير النزيه على الملف الفلسطيني ـ الإسرائيلي، إلى شريك للدولة العبرية والملتزم بالمصالح الإسرائيلية ورؤية إدارة نتنياهو إزاء هذا الملف.
في خبر نقلته وكالة «رويترز» عن مسؤول بارز في البيت الأبيض، أن إدارة ترامب «استكملت تقريباً» خطة السلام لإنهاء الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني المعروفة إعلامياً بـ»صفقة القرن»، لكنها لا تزال تواجه صعوبات في تحديد موعد طرحها، خصوصاً بعد قطع السلطة الفلسطينية اتصالاتها مع واشنطن في أعقاب اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل والتزامه نقل السفارة الأميركية إليها، كما يقول هذا المسؤول البارز في تفسيره لعدم طرح «الصفقة» رغم استكمالها تقريباً!
لكننا يمكن أن نضيف سبباً آخر، لعدم طرح هذه الصفقة بالإضافة إلى السبب المشار إليه من قبل المسؤول البارز في البيت الأبيض، وهو أن كافة الضغوط، لإيجاد حاضنة عربية لهذه الصفقة قد فشلت حتى الآن، وإذا كان من الصحيح أن هناك اختراقات تطبيعية إسرائيلية مع بعض الأنظمة العربية، إلاّ أنه من الصحيح، أيضاً، أن أياً من هذه الدول، غير قادرة في ظل الظروف الحالية على الأقل، للإعلان عن إسنادها ودعمها لخطة ترامب حول «صفقة القرن»، ذلك أنه ورغم تراجع القضية الفلسطينية على المستويات الرسمية وحتى الشعبية على الصعيد العربي، إلاّ أنه مع ذلك، لا تمتلك أية دولة القدرة والقوة على الإقدام على أية خطوة باتجاه دعم خطة «صفقة القرن»، إذ ما زال للقضية الفلسطينية حضورها في وجدان الشعوب العربية، رغم كل الانكسارات والتراجعات على الصعيد العربي، والسؤال الأهم: إلى متى سيظل الأمر كذلك؟!
صحيفة الأيام
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز"