قائمة الموقع

خبر عراةً إلّا من الأمل.. 'مسيرة العودة' وذاكرة التهجير

2018-04-24T06:26:06+03:00

شمس نيوز/ صابرين عزيز

عراةً إلّا من الأمل خرج الشعب الفلسطيني في قطاع غزّة إلى الحدود المتاخمة لأراضيهم المحتلة، في الثلاثين من آذار المصادف يوم الأرض، فتشكل وجهان بين الاندفاع إلى داخل القطاع يوم جاؤوا مهجرين، عراةً من كل أملاكهم يحملون أرواحهم للنجاة، والتنافر إلى خارج غزّة في خطوةٍ للعودة بعد سبعين عام.

جاء الزمن على حين غفلة، بينما يسرد كبار السنّ (خرافهم) لتنكشف الوجوه، رمال على الحدود مع امتداد البصر، ورمالٌ في وسط غزّة، وصفوه بالأصفر كالذهب لكنه يشبه الصحراء، بمنطقة أصبحت مكتظة سكنيًا تدعى "الرمال" وشاطئ البحر الذي أصبح مخيمًا أطلق عليه المعسكر، ثم تكومت المعسكرات في غزّة من شمالها إلى جنوبها.

خيام في البداية، ثم ألواح الاسبست والزينكو التي مازال آثارها وبعضها موجود، حتى بني الحجر كاملًا والكرميد، سبعون عامًا كفيلة بالبناء لا بالنسيان، كما يقول الحاج محمود جندية المرافق لأرضه على الحدود الشرقية للشجاعية، موقع ملكة، "استقبلنا أهل اسنيد، جاؤوا من هنا (مشيرًا إلى الحدود) قالوا إن العدو يقتل كل من في طريقه، ففروا بجلدهم من التنكيل".

"يوم، يومين، ثلاثة.. وهكذا حتى أصبح الزمن سبعين عامًا، كانوا يتأملون بالعودة، يتسربون إلى أراضيهم عبر البحر، يسقونها ويطعمون ماشيتهم ثم يأتون لغزّة دون أن يشعر بهم العدو، كانوا متأملين بالعودة، لكنها أصبحت تفوق القرن، وها هم بنوا وأصبحت لهم أراضي ملكهم هنا دون أن ينسوا الأصل"، ويضيف جندية صاحب التسعة والسبعين عامًا.

وأمام قناصة الاحتلال بالمكان ذاته، كانت تقف امرأة خمسينية بينها وبين الرصاصة ضغطة واحدة، تأتي كل يوم منذ بدء فعالية مسيرة العودة إلى الحدود، تدعى بأم عمر ماضي، ولأن أحلامها أقوى من الخوف تجلس في المقدمة، لعل السلك الزائل يختفي وتدخل البلاد، أخبرتنا أنها لم تعرف الأرض إلّا من أصوات أجدادها ووالديها، وحكاياتهم عنها.

أخذت أم عمر تسرد:" لنا أرض كبيرة خلف الحدود، لنا راحة بال لكننا محجوزون في غزّة، محرومون من أقل الحقوق، أريد أن أستمر في المجيء إلى هنا، على الأقل أرى ما بعد الجنود، وإن أرادوا قتلي فلم يعد يهمني، إمّا أن ندخل أراضينا أو نموت"، ومازالت الصور تتوارد حولها لتثبت وجودها.

أمّا من أراضي أبو صفية، شرق جباليا، قالت الحاجة أمّ أحمد:" حدثتني أمّي عن الهجرة، يومها كان عمري 5أشهر، والعالم تهرب، كانت الناس تقول الجنود قتلوا قرية كذا والدور على القرية الثانية، وهكذا حتى حفرت لي أمي حفرة صغيرة ووضعتني بها، ثم عادت في اليوم التالي وأخذتني بعد أن أمنوا مكانًا للعائلة في غزّة".

"ولدتُ في البلاد" تردف أم أحمد "أتمنى لو أموت بها، أجلس اليوم مقابل الحدود دون أن أستطيع العودة، لو أزيل السلك الشائك سأدخل مع الناس حتى لو أطلق جنود الاحتلال علينا النار وخرجوا بالدبابات، لقد مللنا من الغربة، أهل غزّة أهلنا لكن الواحد ببلاده غير".

وهكذا؛ مع قصص الكبار، أخذ الوقت ينحاز إلى الغروب، ليختفي يوم آخر وتكبر أيام الهجرة في منافسة للعودة، إلّا أن الشعب الفلسطيني في غزّة يأبى أن تستمر الهجرة في الكبر حتى أواخر العمر، ويعمل على وأدها ليخرج عوضًا عنها الابن الأصلي، العودة.

اخبار ذات صلة