شمس نيوز/ عمر اللوح
"الحرب تدمرنا والمنخفض يشردنا، وحياتنا أصبحت خرابًا، فهي على محك شعرة قد تنقطع في أي وقت، وقلوبنا ضمن دائرة القلق والخوف، فأصبحنا بدلا من أن نفرح بالمطر نخشى ولو قطرات قليلة منه"... بهذه العبارة بدأ المواطن خالد البطة (43 عاماً) حديثه لــ " شمس نيوز" أثناء محاولته منع تسرب مياه أمطار المنخفض الجوي الذي ضرب غزة قبل أيام إلى الكرفان الذي يتخذه مسكنا بعد أن قصفت طائرات الاحتلال منزله أثناء الحرب الأخيرة.
لكن انخفاض مستوى المنطقة التي يضع فيها الكرفان أدى لتدفق مياه الأمطار بغزارة داخل كرفانه، الأمر الذي حوله إلى بركة اختلطت بمياه الصرف الصحي، ما أجبره على وعائلته على الفرار بحياتهم هربا من الغرق.
وتجدر الإشارة إلى أن الرياح والأمطار الغزيرة التي تساقطت قبل أسبوع تقريبًا تسببت بغرق عشرات الكرفانات التي وزعتها هيئة الأعمال الخيرية بالتنسيق مع وزارة الأشغال العامة والإسكان على أصحاب المنازل المدمرة في مدينة خان يونس.
يقول البطة لـ"شمس نيوز": مياه الامطار دخلت الكرفان مع المجاري، فخرجنا بحالة لا توصف، هم أعطونا هذا الكرفان ليغلقوا أفواهنا وننسى منزلنا الذي دمرته طائرات الاحتلال، ومع ذلك قلنا سنصبر؛ ولكن المصيبة أن نغرق في أول سقوط للأمطار، فكيف سنفعل لو هبت رياح وعواصف؟!".
ويضيف: في الماضي كان المطر يعني الدفء والحنان في أجواء جميلة، لكن في قطاع غزة وتحديدا الذين تعرضت منازلهم للتدمير، مهددون بالموت من البرد وغرق أبنائهم داخل الكرفانات بمياه الصرف الصحي التي اختلطت مع مياه الأمطار".
لا أحد يهتم بنا
أما المواطنة حنان النجار ( 36 عاماً )، وهي أم لثلاثة أطفال فتقول لـ"شمس نيوز": لن أتمكن من إعداد السحلب ومشروبات الشتاء الساخنة لأبنائي الصغار كما كل عام عند سقوط الأمطار، فهذه المرة مختلفة عن سابقاتها من الأعوام".
وتابعت بالقول: بينما أنا جالسة في زاوية الغرفة أحتضن أطفالي داخل الكرفان، والأمطار تتساقط بغزارة، والرياح تشتد، وإذ بصوت قوي شعرنا بأنه زلزال، فإذا بخزان المياه الموجود بالكرفان يسقط، وبعدها حدث ماس كهربائي وكدنا نموت لولا لطف الله بنا".
وتضيف والحزن يخيم عليها: خرجنا في الشارع ولم أعرف ماذا أفعل؟ هل أهرب بنفسي وأترك أطفالي؟ ومع شدة البرد وكثافة سقوط المطر حملت أطفالي، وبعد خمس عشرة دقيقة من الركض فوق المنازل المدمرة وصلت لأحد المنازل وجلسنا بداخلها حتى تهدأ العاصفة، وصرخت ألا يكفي تدمير منزلنا، والكرفان غير صالح أيضا للسكن؛ لأننا لا نجلس فيه بأمان وطمأنينة لذا أرجوكم أخبروني ما هو الحل؟".
وأردفت قائلة: كان يجب على وزارة الأشغال وهيئة الأعمال الخيرية أن توفر لنا منازل نسكن فيها بدلا من الذل الذي نعيشه، خاصة وأننا مقبلون على فصل الشتاء، والعواصف والأمطار لم تبدأ بعد، والكرفانات لا تسمن ولا تغني من جوع لأنها مخصصة لنوم الحراس وعمال البناء، فلا يمكن أن تسكنه عائلة بأكملها وتعرض حياة أبنائها للخطر".
ما نخشاه حصل
المواطن محمد خضير، أعرب عن استياءه كما سابقيه لعدم توفر أدنى متطلبات الحياة في الكرفانات البديلة للبيوت المدمرة. وقال لـ"شمس نيوز": هذا ما كنا نخشاه، أن يبدأ المطر قبل الإعمار، فنحن أمام كارثة كبيرة، الشتاء قادم لا محالة، وبيتي مدمر ولم أتمكن من ترميمه حتى اللحظة والأمطار أغرقت الكرفان؛ والحمد لله على كل حال".
وأضاف خضير: لم يكن هناك خيار أمامي إلا البقاء في الكرفان رغم علمي أنني قد أدفع حياتي وحياة أسرتي ثمنا، لوجودنا بمنطقة مرتفعة ومياه الأمطار تسحب الرمال من تحتنا بما يهدد بانقلاب الكرفان ومن بداخله".
وبيّن أنه لا يوجد مكان آخر يذهب إليه، مشيرا إلى أن أكثر ما يؤلمه عدم سؤال الجهات المسؤولة عنه وعن أمثاله "فهم أحضروا الكرفان وكأن الأمر انتهى عند هذا الحد". حسب وصفه.
وتسائل: أين الإعمار؟ كل ما نسمعه فقط أرقاما ووعودا ونحن أمام كارثة كبيرة".
المشكلة في عدم تنفيذ التعليمات
بدوره، قال مدير عام الإشراف والمتابعة بوزارة الأشغال العامة والاسكان م. حاتم النبريص إن "كافة الكرفانات التي تم توزيعها على المواطنين بمدينة خان يونس جنوب القطاع معدة بشكل سليم ولا يمكن أن تشكل أي خطر على حياة قاطنيها.
وأضاف النبريص متحدثا لـ"شمس نيوز": لكن ما حدث قبل أيام عند سقوط الأمطار من تماس كهربائي ومشاكل بالكرفانات كانت نتيجة عدم التزام المواطنين بالتعليمات في طريقة استخدام الكرفانات بشكلها الصحيح وخاصة فيما يتعلق بأمور المياه والكهرباء".
وأوضح أن بعض المواطنين قاموا بتركيب سخانات كهربائية للمياه دون الرجوع الى الوزارة وهيئة الأعمال التي قامت بتوزيع الكرفانات، مما أدى إلى حدوث ماس كهربائي عند سقوط المطر وأحدث العديد من المشاكل بها بالإضافة لتغيير مكان خزانات المياه، فهي موجودة في أماكن مخصصة لها تختلف تماما عن أسطح المباني السكنية، ولكن المواطنين قاموا بنقلها من مكانها مما تسبب بمشاكل لدى البعض.
وبيّن النبريص أن الأشد خطراً هو نقل الكرفان من مكانه، فكل مواطن لا يعجبه يقوم بوضعه في مكان آخر "وكل ما حدث كان نتيجة عدم الالتزام بتعليمات طريقة استخدام الكرفانات والدليل أنه يوجد كرفانات أخرى لم تصب بأي أذى لأن سكانها التزموا بالتعليمات" بحسب تعبيره.
ويُذكر أن الاحتلال الإسرائيلي دمر خلال الحرب الأخيرة على قطاع غزة نحو تسعة آلاف منزل بشكل كامل وثمانية آلاف بشكل جزئي، وفق إحصائيات وزارة الأشغال العامة والإسكان الفلسطينية.
ووفقا للأرصاد الجوية الفلسطينية فإن منخفضا جويا مصحوبا بأمطار رعدية سيضرب الأراضي الفلسطينية بدء من الخميس القادم ويستمر أربعة أيام، فهل ستتحرك الجهات المسؤولة لإيجاد حلول سريعة لأصحاب المنازل المدمرة أم سيبقون كما هم بالكرفانات ؟!!