بقلم: طلال عوكل
الجملة التي وردت على لسان رياض منصور، مندوب فلسطين الدائم في الأمم المتحدة، تثير العديد من التساؤلات ذات الطابع الفكري السياسي، وتفرض إعادة تقييم جبهة الأعداء، وجبهة الحلفاء والأصدقاء.
منصور رفض التعاطي مع المشروع الأميركي لمجلس الأمن، الذي تضمن فقط إدانة للصواريخ التي تنطلق من غزة، فقال: إن أميركا دولة معادية للشعب الفلسطيني. منصور يقرر وهو على حق، رؤية جديدة ومختلفة لدور الولايات المتحدة إزاء الصراع الفلسطيني والعربي الصهيوني، بعد مرحلة من المناورات السياسية، التي فرضت على الفلسطينيين، المراهنة على أن تتمتع أميركا بقدر ولو محدود من النزاهة والموضوعية التي يمكن أن تساعد في التوصل إلى عملية السلام، تضمن للفلسطينيين تحقيق الحد الأدنى من حقوقهم التي أقرت بها الأمم المتحدة.
تغيرت الظروف، وتبدلت علاقات القوة الدولية، وتتبدل طبيعة النظام الدولي، ولم يعد بإمكان الولايات المتحدة أن تلعب على الحبال، ذلك أنه لم يعد مجال للمناورة، أو الخداع، بعد أن وصل موضوع التعاطي مع أسس عملية السلام ومرجعيتها إلى مرحلة حاسمة، فهي إما أن تكون مع إسرائيل مئة بالمئة، وإما أن تكون ملتزمة بالقانون الدولي، وأن تمارس قدرًا من الضغط لتعديل الرؤية الإسرائيلية لعملية السلام.
تختار الولايات المتحدة في عهد دونالد ترامب أن تتصالح مع نفسها، كدولة استعمارية، معادية لحركة الشعوب سواء التي تسعى من أجل حريتها واستقلالها أو التي تبحث عن تقدمها وتطور مجتمعاتها بامتياز ودون لف أو دوران تؤكد الولايات المتحدة، أن إسرائيل تشكل الامتداد الاستعماري الطبيعي، والقاعدة المتقدمة، الأمنية، لتحقيق مصالح الولايات المتحدة.
قد يتأخر العرب قليلًا عن إدراك حقيقة أن الولايات المتحدة، لا تقبل الشراكة مع أحد، وأن دولة بلا حلفاء باستثناء إسرائيل، وأن همها هو كيفية تحقيق مصالحها على حساب مصالح الآخرين.
الفلسطينيون، أيضًا، تأخروا في إدراك هذه الحقيقة، لكنهم اصطدموا بها على نحو محزن، بعد أن بادرت الولايات المتحدة، لنسف الحقوق الفلسطينية الواحد بعد الآخر، وبعد أن تكفلت على نحو صارخ بتنفيذ كل ما تتضمنه الرؤية الإسرائيلية للصراع.
نيكي هايلي مندوبة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، أعلنت منذ اليوم الأول لممارسة مسؤولياتها، الحرب على الفلسطينيين والأمم المتحدة، التي وصفتها بأنها منحازة للفلسطينيين. لم تسمح هايلي ولا مرّة، بتمرير أي مشروع قرارًا وبيان عن مجلس الأمن يمس إسرائيل، حتى لو أن مثل هذه السياسة، تمس دور ووظيفة الأمم المتحدة، باعتبارها المسؤولة عن حماية الأمن والسلم الدوليين.
من الواضح أن إدارة ترامب، تستخدم قوتها الاقتصادية والعسكرية لابتزاز الدول الفقيرة، وتتجند لإرغام تلك الدول على نقل سفاراتها إلى القدس، ومنعها من التصويت لصالح أي قرار يمس إسرائيل ولا ترى لأحد الحق في الدفاع عن نفسه سوى دولة الاحتلال، حتى لو أن ذلك سيؤدي إلى انهيار منظومة العدالة الدولية، وإفقاد الأمم المتحدة، جوهر وظيفتها.
ومع الأسف ورغم تبدل العلاقات الدولية، والتبدل الجاري على النظام الدولي، إلاّ أن القوى الأخرى، الصاعدة، أو التقليدية ليست بعد قادرة على مواجهة عملية الهدم المتدرجة التي تمارسها الولايات المتحدة لمنظومة القيم الدولية، التي دفعت الشعوب ثمنها غالياً بعد حربين عالميتين مدمرتين.
صحيح أن دور الأمم المتحدة ليس مرهونًا بمجلس الأمن وقراراته ودوره، وأن ثمة آليات أخرى، يمكن اعتمادها لتحقيق إنجازات رغم أنف الحلف الأميركي الإسرائيلي، ولكن العديد من القرارات والإنجازات التي قد تتحقق لصالح الفلسطينيين ستظل غير قابلة للتنفيذ كما هو حال عشرات القرارات الدولية.
يعني ذلك أن الصراع مع الحلف الأميركي الإسرائيلي، هو صراع على الرأي العام الدولي، الذي تستهتر الولايات المتحدة بالتغيرات التي تقع فيه إزاء القضية الفلسطينية.
المهم أن سياسة الحلف الأميركي الإسرائيلي لا تتوقف عند مجريات وحقائق الصراع الفلسطيني والعربي الإسرائيلي، فها هي الولايات المتحدة تفتح حربًا على حلفائها التاريخيين بما في ذلك بريطانيا التي تذيّلت خلف السياسة الأميركية وحروبها.
حرب تجارية ضد الصين، وأخرى ضد أوروبا الغربية والمكسيك وكندا على خلفية الرسوم الجمركية التي فرضتها الولايات المتحدة على الحديد والألمنيوم، حرب من شأنها أن تتسع لتشمل إجراءات أخرى وإجراءات مضادة من شأنها أن تحدث خللًا كبيراً في أسس النظام الاقتصادي والتجاري الدولي.
تمعن إسرائيل في الانزلاق نحو العنصرية وإرهاب الدولة، وتمعن في الغرق نحو العزلة، وكذلك الحال بالنسبة للولايات المتحدة، التي عليها أن تخجل من نتائج التصويت في الأمم المتحدة. وحيث تصوت على مشروع قرار تقدمه هي لمجلس الأمن، وحيدة تصوت ضد مشروع القرار الكويتي بشأن تأمين الحماية الدولية للشعب الفلسطيني. يستدعي ذلك مواصلة تقديم المزيد من مشاريع القرارات التي تستدعي فيتو أميركي، يؤكد ويعمّق عزلتها مع إسرائيل على الصعيد الدولي، الأمر الذي سيعطي ثماره في يومٍ من الأيام.
صحيفة الأيام
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز"