قلم / أكرم عطا الله
خبر اقتطاع إسرائيل أموال الضرائب من حساب السلطة الفلسطينية ليس غريبا ولا مستبعدا ليس فقط لأنه تكرر أكثر من مرة أن تقوم إسرائيل بهذه القرصنة في وضح النهار بل لان مفهوم اللصوصية هو جزء من ثقافة الاحتلال على امتداد التاريخ سواء الاستعمار القديم الذي درسنا عنه في المدارس انه قام باستعمار الشعوب لنهب خيراتها انتهاء بالاحتلال الاسرائيلي الذي قام بأكبر عملية سرقة للأرض الفلسطينية قبل سبعة عقود وطرد سكانها مرورا بالنكسة التي يتصادف تاريخها اليوم باستكمال الاستيلاء على الأراضي العربية بقوة السلاح وصولا إلى ما يفعله يوميا في أراضي الضفة الغربية.
إذن ثقافة القرصنة والاستيلاء هي إحدى منتجات الحالة الاستعمارية الاحتلالية وإلا لما نشأت الصراعات فالقوة تنتج ثقافتها وأخلاقها وسلوكها المدعم دوما بالنار وقبله بالسيف ، ليس هنا المهم ازدواجية ما تفعله إسرائيل تجاه قطاع غزة فإسرائيل تتعامل مع القطاع كمنطقة معادية وقد جسدت ذلك وفق التشريعات وأقرتها بتعليمات للمحاكم الإسرائيلية بعدم قبول أية دعوى تعويض من مواطني قطاع غزة .
بالأمس يعلن نتنياهو عن اقتطاع أموال الضرائب لتعويض المزارعين من أموال السلطة الوطنية وإذا ما استبعدنا السلطة من المسئولية عن الأحداث هنا في القطاع ليظهر الأمر عبارة عن بلطجة بالقوة المسلحة لكن القرار الإسرائيلي بعدم تعويض مصابي غزة دون أن يعطي للسلطة الحق في رفع تعويضات وهنا يظهر كذب الإسرائيلي بشكل مبتذل يهرب من تعويض سكان القطاع من جرائمه وكأنهم ليسوا تابعين للسلطة وعندما يريد تعويضات يعيدهم للسلطة ليسرق ما لها..
ليست القصة هنا فقط بل أن هذه تفتح على الموضوع الأهم وهو قيام السلطة تحت الاحتلال والتعارض ما بين نموذج الحكم في ظل الاحتلال ونموذج التصدي بحده الأدنى للمحتل لأن المسألة هنا تتعلق بتدفيع الثمن بهذا الشكل السهل ليجعل الفلسطيني يفكر ألف مرة قبل أن يقدم على أي شكل من أشكال الاحتجاج على الاحتلال ولو بحده الأدنى بل ويجعل هذا الاحتجاج محل جدل في الواقع الفلسطيني ما بين مؤيد ومعارض وحسابات العقل بين الربح والخسارة فلماذا يحرقون المزارع مثلا طالما أنهم من سيدفع الثمن وبأسعار شركات التأمين الإسرائيلية الباهظة.
هنا الصدام ما بين ما يجب أن يكون في التعامل مع الاحتلال وما هو قائم من دولة تستخدم القوة لتبقى جاثمة على طموحاتنا الوطنية في الحرية وتقوم بابتزازنا تحت تهديد القوة ،إن في هذا الجدل وهذه المعادلة ما يفعل فعله في عملية كي الوعي الفلسطيني نحو تدجينه للقبول بواقع الاحتلال والتعايش معه وعدم الاعتراض حتى وتلك معادلة نتيجتها الوحيدة إنهاء طموحاتنا الوطنية بأيدينا وبقرار فلسطيني صرف.
هذا ما أراده الاحتلال منذ تمديد زمن السلطة بعد انتهاء ولايتها ووقتها المحدد بخمس سنوات وفقا للاتفاقيات وهنا نشأ الصراع بين المصالح والمبادئ.. المصالح اليومية والمصالح الوطنية ...المشروع الإنساني والمشروع الوطني .... لتستدرجنا إسرائيل إلى القبول بتسيير الحياة الانسانية على حساب المشروع الوطني الذي يتم تجفيفه تحت حكم الاحتلال ليس فقط في الضفة الغربية بل وأيضا في قطاع غزة عندما بدأت إسرائيل معادلة المعابر والغذاء مقابل الهدوء وقد تحقق.
إذن الموضوع بحاجة لنقاش أوسع لواقعنا الذي يبدو كأنه استدرج نحو القفص وبغض النظر عن الشعارات والحكم الوطني لكن وجود حكم وقيادة تحكم وسلطة ورأس معلن للشعب الفلسطيني تستطيع إسرائيل تدفيعه الثمن بحاجة إلى حسبة مختلفة بعد ان ثبت أن هذه التجربة كانت على حساب المشروع التحرري وبعد ان ثبت أن السطلة والمقاومة مشروعان لا يلتقيان فإما الوطني أو الإنساني وتجربة غزة مثالا وعلينا الاختيار إلا إذا تمكنا من استيلاد معادلة ثالثة بعيدا عن نموذج غزة والضفة سواء باختيار الإنساني أو الوطني.
الواقع القائم لا يؤدي إلى الحرية هذه حقيقة ولا يمكن من حياة كريمة وتلك حقيقة هذه الحقائق تحققت أمامنا ولا مجال لنفيها بفضل القبول بالحكم تحت الاحتلال وقرصنة الأموال نموذجا فهل يمكن كسر المعادلة ؟سؤال بدت الاجابة عليه ضرورة وطنية ..!