بقلم: علي بدوان
ماتت المحامية «الإسرائيلية» المُعادية للحركة الصهيونية، وذات الأصول البولندية، فيليتسا لانغر، بعد حياةٍ مديدةٍ أمضتها في صفوف الحزب الشيوعي الفلسطيني قبل النكبة (والذي كان يضم أعضاء يهوداً وعرباً) قبل انقسامه عام 1943، حين وصلت إلى فلسطين في مُقتبلِ فتوتها وشبابها، وأصبحت بعد قيام الدولة العبرية الصهيونية عام 1948 عضواً في صفوف الحزب الشيوعي الذي بات اسمه بعد عام 1949 الحزب الشيوعي الإسرائيلي (بعضويته اليهودية والعربية)، لكنها لم تَكُن على توافقٍ وانسجام مع قياداته، بخاصة اليهودية منها، والتي تلونت بألوانٍ صهيونية على خلفية الموقف من المسألة الوطنية الفلسطينية، وبَرَزَ ذلك في شكلٍ جلي في الانقسام الذي وقع داخل الحزب عام 1966 حين خرج الجناح الصهيوني من الحزب بقيادة شموئيل ميكونيس (مجموعة سياح) وبقي الجناح الأساسي (راكاح)، والذي تصادمت معه أيضاً المحامية فيليتسيا لانغر في وقتٍ لاحق، فاضطرت للخروج من كل إطاراته عام 1980 على رغم تبني الحزب (راكاح) لمسألة الدولة الفلسطينية على أراضي قطاع غزة والضفة الغربية، وتطابق برنامجه للحل مع البرنامج المرحلي الذي أطلقته منظمة التحرير الفلسطينية صيف عام 1974.
إنَّ القضية الأساسية التي شَغِلَت بال تلك المحامية اليهودية المُعادية للحركة الصهيونية، تمثّلت في نقدها الشديد لسياسة البطش والغطرسة «الإسرائيلية» بحق الشعب الفلسطيني بعد احتلال كامل أرضِ فلسطين التاريخية عام 1967، حين كرّست كل جهودها كمحامية في الدفاع عن الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في سجون ومعتقلات الاحتلال وأصدرت كتابها الشهير «بأم عيني» الذي تَحَدَّثَ بالوقائع والتفاصيل عما يجري داخل سجون ومعتقلات الاحتلال بحق الفلسطينيين.
كما في نقدها الشديد لحالة الإنكار التي اتسمت بها سياسات «إسرائيل» تجاه الحقوق الوطنية الفلسطينية، وهي السياسة ذاتها التي اشتقتها عموم الأحزاب في الخريطة السياسية «الإسرائيلية» باستثناء حزب راكاح الذي تطور موقفه بعد عام 1974 تطوراً كبيراً باتجاه الاقتراب من الدعوة لحولٍ تنسجم مع الشرعية الدولية وقراراتها ذات الصلة، وما كان لهذا الأمر أن يتم داخل صفوف حزب راكاح لولا نضال الغالبية العربية من أعضائه بعد أن تراجعت عضوية الأعضاء اليهود في صفوف الحزب لمصلحة غالبية عربية واضحة باتت مُكرّسة الآن.
سيرة حياة المحامية فليتسيا لانغر، هي سيرة يهودية من أصولٍ أوروبية (أشكنازية)، معادية للحركة الصهيونية، لم تدفعها «رواية المحرقة الأوربية» لاضطهادِ شعبٍ آخر والتنكيل به ووضعه تحت محرقة جديدة. كما تُلخِصُ سيرتها ما جرى من اعتمالاتٍ وتطوراتٍ في صفوف الحركة الشيوعية في فلسطين قبل النكبة وبعد النكبة في شأن الموقف من القضية والمسألة الوطنية الفلسطينية، وصولاً لخروجها من إطارات الحزب، واضطرارها في نهاية المطاف للخروج من كل «إسرائيل» عام 1990، في صرخةِ احتجاجٍ عاليةٍ، والهجرة إلى ألمانيا مع زوجها، حيث واصلت نشاطها السياسي والأدبي الداعم للحركة الوطنية التحررية للشعب الفلسطيني، إلى حين وفاتها يوم الجمعة 22 حزيران (يونيو) 2018.
عن صحيفة الحياة
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز"