شمس نيوز/ توفيق المصري
يتوسط "أبو بشار" مجموعة من الشباب الثائر، تحديدًا شرق مخيم البريج وسط غزة، ويرشدهم بأعداد البالونات التي يجب ربطها ببعضها، حتى تُقلع بكتلة اللهب التي ستتدلى أسفلها، وبكيفية ربط قطعة من النار بالطائرات الورقية حتى تؤتي ثمارها، "وتشعل الأرض تحت أقدام المستوطنين في أراضينا المحتلة" كما يقولون مجمعين.
ينفذ الشبان تعليمات أبو بشار بحذافيرها، وكأنه اتفاق بينهم على سياسة السمع والطاعة، بهدف واحد وهو "الثأر" ومن أجل أبسط حقوقهم ومطالبهم الحياتية.
التقت "شمس نيوز" المُكنى بـ"أبو بشار"؛ على رغم من رفضه المتكرر للحديث الإعلامي، الذي يقود الشباب الثائر على طول الحدود الشرقية لقطاع غزة في إطلاق الطائرات والبالونات الحارقتين تجاه مستوطنات غلاف غزة.
"أبو بشار" الذي يقترب من الثلاثين من عمره، كان مُخفيًا وجهه بالكوفية الفلسطينية، خشية ملاحقة الاحتلال هو وباقي الشبان بعد تهديدات بالقتل.
يعمل الشبان على ادخار جزء من مصروفهم اليومي؛ ليتمكنوا من تجهيز كمية من الطائرات الورقية، والتي تصل تكلفتها إلى نحو دولار ونصف، والبالونات –التي تباع للأطفال في المحال- والتي تبلغ كلفتها بعد تجهيزها، شيقلين (نحو نصف دولار)، كما يقول "أبو بشار".
ويوضح لمراسل "شمس نيوز"، أن تلك التكاليف مرة تلو مرة، باتت ترهقهم؛ لكونهم عاطلين عن العمل، وعملهم فردي ولا ينتمون لأي فصيل فلسطيني، ولا يتلقون أي دعم سواءً من الداخل أو الخارج، فقرروا التفكير في مواد أخرى.
ومن المواد التي وصولوا لها، "الكوندوم". والذي تقدمه وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، ووزارة الصحة الفلسطينية، لسكان القطاع بهدف تنظيم النسل، كما يقول الأخصائي النفسي والاجتماعي المتابع لهذا الملف، حسام جبر لـ "شمس نيوز".
ويقول أبو بشار، إنهم أطلقوا الألاف من بالونات "الكوندوم"، ويذكر أنه في يوم واحد أطلقوا ما يزيد عن 500 بالون، مشيرًا إلى أنهم ليسوا بمجموعات منظمة وأن عملهم على كافة محافظات قطاع غزة، وعلى قلب رجل واحد وبتكاتف الشبان والكبار والصغار، في إطلاق الطائرات والبالونات.
ويضيف، أن فكرة استخدام "الكوندوم" بديلًا عن البالونات بعد التجربة موضحًا كيفية ربط النار بالبالونات والطائرات الورقية، عن طريق خيط يحمل شعلة عبارة عن قطعة قماش، مع فحمة صغيرة داخلها، مغمسين بالسولار، من ثم يشعلوها ويطلقوا البالونات لتذهب إلى أحراش العدو.
وما إن انتهوا من تجهيز مجموعة من البالونات، حتى انتظروا رؤيتهم للنيران تشتعل داخل الأراضي المحتلة، قال حينها "أبو بشار" بفرح وبعد أن علت أصوات التكبيرات في المكان: "شعورنا لا يوصف حين نرى النيران تشتعل داخل الأراضي المحتلة. هذه أرضنا ونحن أحرار بها، سواء حرقت أم لم تحرق، لكن فرحتنا بحرقها لا توصف؛ لأن من عليها مغتصب".
ويردف موجهًا حديثه للمستوطنين: "هي اللي موجود عنا يا بترحلوا عنها يا بتفكوا الحصار عنا. واحنا مبسوطين ع أرضنا وخليها تنحرق"، مطالبًا إياهم بأن يتظاهروا ويقفوا في وجه حكومتهم التي وصفها بـ"الكاذبة" حين تعدهم بالأمن وتقلل من أثر الطائرات الحارقة.
ويستطرد: "رسالتنا من قطاع غزة وباسمه، نريد أن نعيش مثلكم ومثل أي انسان على وجه الكرة الأرضية، فكوا الحصار، وندعوكم لأن تطالبوا الحكومة الإسرائيلية بفك حصار قطاع غزة، أو كما تحاصرنا، سنحاصركم بالبالونات الحارقة وسنمنعكم من دخول المستوطنات وسنشتتكم ونهجركم".
"حالة غير منظمة"**
وعدّ الناشط وأحد منظمي مسيرات العودة، أحمد أبو رتيمة، استخدام وسائل تنظيم الأسرة "الكوندوم" كبالونات حارقة، بأنها "حالة غير منظمة وعفوية يقوم بها مجموعة من الشبان، ولا تخضع لقرار مركزي. لا يوجد قرار مركزي يتخذ في هذه القضايا، لكونها حالة شعبية".
لكنّ أبو رتيمة يقول: إن "كل الوسائل التي تستعملها الشعوب تحت الاحتلال هي وسائل مشروعة، وفي تقدير المرحلة الأنسب لها الوسائل ذات الطابع السلمي؛ وذلك لتعزيز الحضور الذي حققته مسيرة العودة والبناء عليه".
ويضيف لـ"شمس نيوز"، أن "مسيرة العودة نجحت خلال الأسابيع الأولى بتقوية هويتنا الفلسطينية وفي خلق حالة أزمة لدولة الاحتلال، وعلينا بالوسائل السلمية وبتقليل التكلفة على شعبنا أن نبقي هذه الحالة، وأن نفكر دايمًا في خلق وسائل سلمية، تكون أكثر جدوى لقضيتنا وحقوقنا".
ويتابع: إن "معركتنا في مسيرة العودة هي على الصورة، وعلينا أن نختار الصورة الإعلامية الأكثر إقناعًا للعالم بحقوقنا والأكثر قدرة على استقطاب النصرة العالمية لقضيتنا".