بقلم: د. احمد القطامين
بينما كل الاحداث تتدافع عبر روافد متعددة باتجاه نقطة الحسم الاخيرة، تتكشف ساعة بعد ساعة معطيات تؤكد فداحة شروط ما يسمى إعلاميًا بصفقة القرن، وفداحة الدور العربي الرسمي فيها.
علينا اولًا أن نفهم طبيعة الدوافع عبر الإطلاع على محطات تاريخية مهمة قادت إلى الواقع الراهن فيما يتعلق بفلسطين والقدس في بؤرتها.
في السادس من ديسمبر (كانون اول) عام 1917 دخل القائد البريطاني ادموند اللنبي إلى مدينة القدس فاتحا، وقال تصريحه الشهير "الان انتهت الحروب الصليبية". وبعد مائة عام بالضبط اختار الرئيس الأمريكي ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل في اليوم السادس من شهر ديسمبر (كانون اول) عام 2017 اي بعد مائة عام بالتمام والكمال من تصريح اللنبي، وتساءل المختصون بالتاريخ عن مغزى هذه التزامن الغريب.. لم يقلها ترامب صراحة إنما طبيعة الحدث وتاريخ إعلانه قالها بوضوح وفي كل اللغات المعروفة (اليوم انتهت الحروب الصليبية).
حدث آخر له مدلول مشابه، عندما دخل القائد الفرنسي فاتحًا لمدينة دمشق يوم 24 تموز عام 1920 توجه مباشرة إلى ضريح صلاح الدين ووضع قدمه على الضريح وقال "ها قد عدنا يا صلاح الدين".
وفي الحالتين (اللنبي والقائد الفرنسي) كانت الشعوب بالانتظار ونشأت المقاومة في سوريا للاحتلال الفرنسي حيث تصدى الشعب العربي في سوريا لجيوش الاحتلال وتجذرت روح المقاومة وتطورت أساليبها وأجبرت الجيوش الفرنسية على الانسحاب مدحورة مذمومة.. وانتصر التاريخ للقائد صلاح الدين. وفي فلسطين تصدى الشعب العربي الفلسطيني للاحتلال الانجليزي وأجبره على الانسحاب من الأرض المقدسة.. لكن خبث الانجليز كان غالبًا فقد انسحبوا وسلموا البلاد لعصابات إجرامية من المرتزقة تم تحشيدهم من مختلف أنحاء العالم لاستكمال مهمة الحروب الصليبية وهكذا نشأت دولة إسرائيل.
واليوم يأتي ترامب ليضع ختم الاعتماد النهائي على مقولة "اليوم انتهت الحروب الصليبية" حيث فلسطين والقدس أصبحت في قبضتهم.
في الماضي كانت الشعوب العربية شعوبًا قوية وكانت المقاومة ممكنة وتندرج تحت أعمال البطولة والأخلاق والوطنية أما اليوم فقد تم تدجين الشعوب بواسطة أنظمة الحكم التي نتجت عن سايكس بيكو، وحقبة الاستعمار التي تلتها.. فأصبحت المقاومة "مَسَبة" وأصبح الانتماء إلى الأوطان مكلفًا جدًا على مستوى الافراد والشعوب وبطريقة جهنمية ما استبدل الانتماء للأوطان بالانتماء للأسر الحاكمة التي صورت للشعوب أنها هي الوطن، ولا وطن غيرها.
الفرق بين الماضي وما نحن فيه الآن، أن الشعوب لم تعد قادرة على أن تفعل شيئا، وأصبحت فئات في هذه الأوطان تفتخر علنا في انتماءها لمصالح القوى المعادية للأمة وتعرب في كل مناسبة عن نيتها التفاني في خدمة تلك المخططات والمساهمة الفعالة في إنجاحها.
وسط هذا الغبار الكثيف، ما العمل؟
صحيفة رأي اليوم
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز"