بقلم: أشرف العجرمي
هناك تحليل فلسطيني خاطئ يقول إن صفقة القرن التي تحضّر لها الإدارة الأميركية هي وليد الموقف الإسرائيلي وجاءت بالتنسيق بين الحكومة الإسرائيلية وبين إدارة الرئيس دونالد ترامب، والواقع يقول إن إسرائيل على الرغم من ارتياحها الشديد للإدارة الأميركية التي تبنت الموقف الإسرائيلي من الملف النووي الإيراني، وخرجت من إطار الاتفاق الدولي مع إيران، وبدأت تفرض عقوبات وتضع شروطاً جديدة لصفقة أخرى مختلفة تشمل الصواريخ البالستية وتفاصيل فنية إضافية لا تقبلها إيران، وتناقض ما تم الاتفاق معها عليه، كما تبنت الموقف الإسرائيلي من مسألة القدس بعد الاعتراف بها عاصمة لإسرائيل ونقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس، والإعلان عن إخراج قضية القدس من طاولة المفاوضات، وحسب التسريبات وافقت الإدارة الأميركية على استثناء مسألة اللاجئين وأبدت مرونة في احتفاظ إسرائيل بمناطق من الضفة الغربية المحتلة تضمها إليها، إلا أنها أي إسرائيل لا تريد صفقة القرن هذه لأنها تشمل عناصر لا توافق عليها الحكومة اليمينية الحالية، وهذه الأخيرة تستصعب أن تقول لا لترامب بعد كل ما قدمه لإسرائيل.
أي صفقة مهما بلغت بشاعتها ستتضمن انسحاباً إسرائيلياً من أجزاء كبيرة من المناطق المحتلة في الضفة الغربية المصنفة (ج)، فالمستوطنات على انتشارها وتوسعها لا تزال أقل من 5% من مساحة الضفة، كما أن جدار الفصل يضم حوالي 8% من مساحة الضفة.
ولو افترضنا أن إدارة ترامب ستكون كريمة بما يكفي مع الإسرائيليين فهي لا تعطيهم أكثر من 20% من الضفة الغربية، وحتى لو منحتهم 30% من مساحتها فهذا غير مقبول على إسرائيل التي تريد الاحتفاظ بغالبية مناطق (ج) التي تعتبرها الحكومة ضمنياً جزءاً من دولة إسرائيل الواسعة.
والوضع الراهن الذي تسيطر فيه إسرائيل على الضفة الغربية هو مثالي جداً لها ولا حاجة لتغييره بأي صفقة قد تكبل يد إسرائيل في تنفيذ مشروعها الاستيطاني وخطتها بإسكان مليون يهودي في الضفة دون حساب عدد المستوطنين في القدس الذين يعتبرون من الناحية الرسمية الإسرائيلية جزءاً من إسرائيل.
لهذا يمكننا أن نطمئن إلى أن إسرائيل ليست من يضغط باتجاه تسريع الإعلان عن الصفقة التي يجري الحديث عنها وكأنها القدر القادم الذي لا فرار منه.
ولكن ما هو أخطر من الإعلان عن الصفقة من عدمه هو ما يجري على الأرض والمستقبل الذي ينتظر القضية الفلسطينية في ظل الانقسام الذي يهدد وجودنا وحقوقنا ومستقبلنا على هذه الأرض.
والموضوع هنا ليس اختلافاً على البرنامج السياسي في التعاطي مع المفاوضات والشروط والمطالب الفلسطينية، وهذا اختلاف طبيعي وصحي وموجود في كل مجتمع، بل هو الموقف مع الوطن أو ضده، مع إرادة الشعب أو ضدها، مع الحق في الاستقلال في دولة سيادية أم شطب هذا الحق والبقاء تحت الاحتلال والتحول إلى كيانات وكانتونات ممزقة.
إذا كان لصفقة القرن أو ما هو أسوأ أن يمر فالعنوان نحن هل نسمح لها بالمرور أم لا، والقصة ليست نظرية بل هي عملية من الدرجة الأولى.
وفكرة الصفقة دولة غزة وجزر في الضفة وهذا يتكرس على الأرض كل يوم وفي كل التفاصيل.
وللأسف لا أحد يعمل بجد لتغيير هذا الواقع، ونحن لا نزال أسرى شعارات لا تغير شيئاً من الحقائق في الميدان.
ومن يناضل أو يعارض صفقة القرن، ومن لا يريد لها أن تمضي قدما فالطريق إلى ذلك هو ممر إجباري وأحادي المسار يتمثل في الوحدة وإعادة قطاع غزة تحت سلطة واحدة، وتوحيد كل القوى والفصائل الفلسطينية في قيادة واحدة موحدة.
غير ذلك نبقى نردد شعارات ونقول لأعدائنا أكملوا مشروعكم نحن غير مستعدين بعد، وغير ناضجين بعد لشطب مشروعكم الاستعماري المجرم والتصدي له.
الفلسطينيون هم وحدهم من يقررون مصيرهم، ولا يهم كثيراً إذا وافق بعض العرب أو بعض الأطراف الدولية على الصفقة أو أيدوها بصمت من بعيد أو تحت الطاولة، ففي نهاية المطاف من يوقع ومن يسمح لأي اتفاق بأن يطبق هم أطراف الصراع.
وهذا لا يعني أن نقلل من شأن التهالك العربي والسعي المبالغ فيه لاسترضاء أميركا وإنشاء تحالف مع إسرائيل بحجة مواجهة إيران، ولكن لا يعقل أن نطلب من أحد أن يساعدنا وينفذ واجبه القومي والأخلاقي، طالما نحن أصحاب القضية والذين يكتوون بنار الاحتلال والظلم لا نقوم بالخطوة الأولى والأهم وهي توحيد أنفسنا في مواجهة مخطط القرن وجريمته النكراء التي لا تتعامل مع شعبنا كشعب طبيعي له حق في أرض وطنه وله حق في الحرية والاستقلال.
نحن بحاجة فورية وماسة لعقد اجتماع طارئ للإطار القيادي المؤقت الذي يضم حركتي "حماس" و "الجهاد الإسلامي" للاتفاق على مواجهة المخاطر المصيرية التي تعصف بقضيتنا ببرنامج سياسي واقعي يمثل الحد الأدنى الذي يمكن الاتفاق عليه، مع احتفاظ كل الأطراف برؤيتها وبرامجها بما لا يعيق التعامل مع متطلبات الدعم الدولي لحقوقنا والوقوف إلى جانب شعبنا.
ولا شك في أن اتفاقية القاهرة الأولى والأخيرة وأي توافق جديد على مفهوم الوحدة والمصالحة يمكن أن يكون الأرضية للوفاق الوطني.
وبالرغم من موقف "حماس" الذي يثقل على القيادة الفلسطينية لجهة الرغبة في الاحتفاظ بقطاع غزة، وعدم تسليم كل السلطات للسلطة الوطنية إلا أن المبادرة هي بيد القيادة والرئيس أبو مازن شخصياً، والشعب ينتظر مبادرة حقيقية منه لتحقيق الوحدة، فهو القادر على جسر الخلافات وهو الذي يملك الأوراق لذلك.
صحيفة الأيام
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز"