المقال يعبر عن رأي كاتبه
قلم / أكرم عطا الله
لن تعرف غزة الهدوء والراحة، لهذه المنطقة الصغيرة من العالم تاريخ طويل سجلت خلاله اسمها كواحدة من أكثر بؤر الصراع اشتعالاً مع اسرائيل حتى ما قبل احتلالها، هذا المكان الذي لا يتجاوز مساحة بلدة صغيرة في العالم لازال يستولي على الصفحات الأولى من الصحف ووسائل الاعلام كصانعة حدث على جسدها وآلامها دون أن تستكين.
تصعيد وهدوء ثم تصعيد وحرب وتهدئة ومبادرات وعالم ينشغل وسفارات تتابع وتراقب ووساطات ومندوبين دوليين و أزمات ينشغل الجميع بالبحث عن حلول لها و لا أحد حتى اللحظة تمكن من وقف هذا النزيف الدائم لكل شيء فيها حتى الجنون، الجميع يريد لها حلا ولكن لا أحد يريد أي من الحلول, هكذا تبدو اللحظة في غزة لمن يتابع كيف تتدهور الأمور خلال ساعات ثم تهدأ بكل بساطة وكيف تتقدم كل مبادرات الحل ولكن لا حلول حقيقية.
سرعة الأحداث في غزة جعلت من القدرة على تحليل واقعها مسألة تبدو أقرب للمغامرة فكل السيناريوهات تتشابه فيها سيناريو عودتها للسلطة أو سيناريو فصلها, سيناريو الحرب وسيناريو التهدئة, سيناريو الانفراج أو سيناريو الاختناق, كل هذه قائمة وواردة ومتشابهة في احتمالاتها فالأحداث السريعة تجعل من كل السيناريوهات المتضادة حتى تظهر في يوم واحد كأنها واقع اللحظة.
لكن الأكثر غرابة أن الحديث عن الإنفراج بشكل حقيقي بدأ منذ عام مع زيارة وفد لحركة حماس حزيران 2017 إلى القاهرة برئاسة قائدها الجديد في غزة السيد يحيى السنوار, وقد شهد هذا العام تقاربا مصريا حمساويا و قدر كبير من بشريات الإنفراج لكنه في الحقيقة هو العام الأسوأ في تاريخ الحصار والأشد صعوبة و فقرا و بؤسا كيف يمكن فهم ذلك؟ أن عام الوعود هو عام الأزمة الأكبر.
هل تسير غزة بلا هدى أم أن هناك من يعرف ما الذي يريده منها بالضبط ؟ أغلب الظن حين يتعلق الأمر بإسرائيل لا شيء مصادفات و أن كل حديث الصحافة الإسرائيلية عن أن الحكومة ليس لديها سيناريو للتعامل مع غزة هو غير صحيح فقد وضعت إسرائيل خططها منذ ثمانينات القرن الماضي عندما ظهر ميزان الديموغرافيا في غير صالحها قررت مبكرا التخلص من غزة و اخراجها من الحسابات الإسرائيلية ومن هنا كانت فكرة الحل السياسي و الان بعد عقود على هذه الفكرة ووصول اليمين الديني للحكم ما ينذر بمزيد من السيطرة على الضفة أصبح مفهوما ما الذي تريده إسرائيل "طلاق مع غزة و سيطرة على الضفة ".
إذا كان الأمر كذلك و أغلب الظن أنه الأقرب للمنطق السياسي فهل يمكن تركيب التفاصيل لتكون جزء من كليات السياسة و ما علاقة التوترات الحاصلة والتهدئات الجزئية بكل ما يحدث؟ أو هل كل ما يحدث في غزة مرتبط بفصلها أم بعودتها للسلطة؟ هذا هو السؤال السريع دون التدقيق في التفاصيل, لكن سواء بقيت غزة كما هي أو تغير الوضع فيها نحن أمام مشروع إسرائيلي تبلور قديما بإخراج قطاع غزة كما قال ذات يوم الصحفي الإسرائيلي شالوم يروشالمي "إخراجها من بطن إسرائيل".
إن كل ما يجري بغزة وما جرى منذ سنوات لم يكن عبثيا ولا مجرد مصادفات ولا خلافات فلسطينية استحالت السيطرة عليها لتصل إلى حد طرد السلطة من القطاع فقد تدهورت الأمور باتجاه شيء مسبق كان الفلسطينيون أداة ساذجة له في أحسن الأحوال و من يشكك في ذلك عليه أن يقرأ النتائج ويرى كل المبادرات و التصور الحالي لغزة وما يجري الحديث عنه.
التصعيد الهادئ أو الهدوء المتفجر في غزة يمكن أن يشير إلى حراك ما، اتصالات ما، مفاوضات، ما تتعثر خلف الأبواب فتنتقل للميدان ثم تعود خلف الأبواب و هناك إعتراف من جهات إقليمية بأنها تدير مفاوضات بين إسرائيل و حماسهكذا قال السفير القطري و بالتالي لا يمكن الحديث عن تدهور يخرج عن السيطرة بقدر ما أن الأمر مرتبط بلعبة عض الأصابع فالانتقادات ضد الحكومة الإسرائيلية تشير لشيء ما, هذا أغلب الظن ما هو حاصل.
إذن نحن أمام لعبة إسرائيلية لا تتوقف عن دفع الأمور باتجاه ما قررته مراكز الفكر فيها و أمام حالة فلسطينية بلا خطط بديلة تبدو كأنها تستدرج بلا كثير من الممانعة نحو خراب البيت, نحن أمام مشروع فصل هذا هو المنطق هل يمكن قطع طريقه أم سيستمر السياسيون هكذا لنصل إلى النهاية؟.
نقلا عن نبأ برس