شمس نيوز : علي الهندي
لم يعد الإبداء بالرأي والحديث بحرية أمرا مباحا في يومنا هذا ، لأنه قد يكون سببا في ملاحقتك أو اعتقالك وتعذيبك أوحتى منعك من السفر، كل ذلك في ظل تفشي منظومة قمعية تعسفية لا ترغب بوجود نشطاء شباب مثقفين يحاولون تحسين الواقع من خلال انتقاده بأسلوب حضاري لا يسئ لأحد !
ولم يعد الاحتلال الإسرائيلي هو الجهة الوحيدة التي تجثو على صدور الفلسطينيين وتحد من حرياتهم، بل أصبحت المنظومة الفلسطينية أقرب إلى الدولة البوليسية من خلال أعداد الاستدعاءات الكبيرة والملاحقات للشبان الفلسطينيين، إما على خلفية انتماءهم السياسي وهذا حق مكفول، وإما لنشاطهم الشبابي الاجتماعي على "الفيس بوك"!.
#علي_ممنوع_يسافر
علي قراقع إعلامي وناشط شبابي فلسطيني يقدم العديد من مقاطع الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي حول عدد من القضايا السياسية والاجتماعية بأسلوب ساخر لإيصال صوت عامة الناس ونظرتهم أو انتقادهم للواقع، "قراقع" لم يكن يتوقع يوما ان منشوراته وابداءه لرأيه قد يسلبه حرية السفر أو يكون سببا في تلقيه استدعاء للتحقيق.. ليس من الجانب الإسرائيلي بل من المخابرات الفلسطينية!.
يقول قراقع في حديثه لـ"شمس نيوز" : الأربعاء الماضي وأثناء تواجدي على (جسر أريحا) للسفر إلى الأردن لإكمال دراستي ، تفاجأت بإيقافي على الجانب الفلسطيني وتحويلي للتحقيق في غرفة "المخابرات" ومن ثم تسليمي ورقة استدعاء وإبلاغي باني ممنوع من السفر، وكل ذلك بعد تحقيق مطول عن نشاطي على مواقع التواصل الاجتماعي ومنشوراتي ومقاطع الفيديو التي أقدمها، حتى أن المحقق طلب مني كلمة المرور "الباسوورد" لحسابي الشخصي على "الفيس بوك"!.
وأوضح الناشط الشبابي أنه رفض الذهاب للاستدعاء لان الأمر غير قانوني ولا يوجد إذن من المحكمة او قرار قضائي، وأن التحقيق معه ومنعه من السفر جاء بصورة غير قانونية، مضيفا: القانون يكفل حقي في إبداء رأيي وحقي في التنقل والسفر".
ويرى قراقع ان حالته هي واحدة من عديد قضايا الملاحقات والتضييق على النشطاء الشباب، متسائلاً: كيف نتحدث عن حرية تعبير لا يكفلها القانون و تتسبب لك في منع السفر او حتى الملاحقة، مؤكدا أن ما جرى معه هو حادثة خطيرة تضر بالحريات في فلسطين وتنذر بوجود دولة بوليسية لا يحكمها القانون او القضاء".
وأكد الناشط قراقع ان ما يجري من ملاحقات مستمرة بحق نشطاء فلسطينيين هو قمع صريح وواضح وفي تزايد مستمر، مشيرا الى وجود عدد كبير من المعتقلين السياسيين يتم الزج بهم بالسجون وملاحقتهم تحت مسمى " القدح والذم" و "اثارة النعرات" ومن بينهم الأسيرين المحررين عبد الله شتات الناشط في مجال الأسرى و الصحافي غسان نجاجرة، وان كل هذه الاتهامات والمسميات هي غطاء لممارسة القمع والاعتقال السياسي التعسفي.
ولفت قراقع إلى انه لا يوجد حتى اللحظة أي مسعى حقيقي لحل قضية الاعتقال السياسي والأمر غير مرتبط أبدا بالمصالحة الفلسطينية او علاقة فتح بحماس او تشكيل حكومة الوفاق، "بل هو جزء من منظومة عمل السلطات الحاكمة وموجود منذ بداية تشكلها"، مؤكدا انه بحاجة لوقفة جادة من الكل الفلسطيني لحل هذا الملف بشكل نهائي.
عبد الله شتات
يذكر أن الناشط عبد الله شتات -25 عاماً- من بلدة بديا، تعرض للاختطاف والاعتداء من قبل اجهزة الأمن الفلسطينية التي تواصل اعتقاله بسبب نشاطه على مواقع الانترنت ومنشوراته التضامنية مع الاسرى.
وأوضحت عائلة شتات أن عبد الله ومنذ لحظة احتجازه في مقر جهاز " الوقائي" وهو يتعرض للتعذيب بالضرب والشبح، ولدى عرضه على النيابة العامة بدت عليه علامات التعذيب، ورفض عناصر الأمن تواصله مع محاميه وقامت النيابة العامة بتوجيه تهمتين له الأولى" مقاومة السلطات" والثانية "ذم وقدح السلطة"!.
غطاء قانوني!
بدوره أكد عضو لجنة الحريات في الضفة الغربية خليل عساف أن الاعتقالات التي تتم بحق النشطاء الشباب ترفض السلطة إدراجها ضمن الاعتقالات السياسية، بل تحاول ممارستها تحت غطاء قانوني ، وتعتبر اعتقالهم وملاحقتهم هو أمر شرعي على خلفية نشاطات لها علاقة بمخالفة قوانين تم صياغتها بقرارات بعد عام 2007 أي بعد الانقسام ولازالت مفعّلة حتى اللحظة.
وقال عساف لـ"شمس نيوز" : يتم التعامل مع الأمر على انه قانوني وبالتالي يتم اعتقالهم وتقديمهم للنيابة وتقديم قضايا ضدهم، مشددا على ان هنالك إشكالية وطنية وقانونية حقيقية من خلال الانتقائية في التعامل مع الاعتقالات والاستدعاءات السياسية، وعدم وجود أي تغيير أو تحسن في هذا الملف حتى بعد إتمام المصالحة وتشكيل الحكومة ولازال الاعتقال مستمراً على نفس القضايا والتهم السياسية السابقة.
وأشار إلى وجود عدة بنود ضمن وثيقة الحريات التي تم صياغتها لحل هذه الإشكالية، مستدركا: لكن لا يوجد أي تطبيق حتى اللحظة وهناك أكثر من قضية لازالت عالقة".
ودعا عضو لجنة الحريات الفصائل الفلسطينية والكل الوطني إلى ضرورة الوقوف بجدية لحل هذا الملف بشكل سريع وتعديل أي قوانين تم وضعها في هذا الإطار كغطاء لممارسة هذه الاعتقالات، مضيفا : "نحن كشعب تحت احتلال يجب ان نرفع من الضغوطات والاهانة التي يمارسها بحقنا لا أن نزيدها ونمارسها ضد بعضنا البعض".
غياب الإرادة السياسية
من جانبه قال المحامي موسي أبو دهين مدير برنامج الضفة الغربية في الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، إن ملف الملاحقات والاعتقالات السياسية هو ملف قديم جديد وهو مؤرق لجميع مؤسسات حقوق الإنسان في فلسطين، مضيفا: نسعى لغلقه بشكل نهائي، لكنه يعود ويطفوا على السطح مجددا بعد فترة وأخرى و ذلك نتيجة غياب الإرادة السياسية الحقيقية لوقف هذا الملف.
وأكد أبو دهين لـ"شمس نيوز" أن الاعتقالات بحق النشطاء هي بالواقع تتم تحت طائلة الاعتقال التعسفي وكل هذه الاستدعاءات المتكررة بحقهم لا يمكن إلا أن تكون خرق للقانون الأساسي ونوع من الملاحقات والاعتقالات السياسية الغير قانونية أو دستورية ومخالفة لكل التشريعات الفلسطينية.
وأشار أبو دهين إلى استمرار جهودهم لوقف هذه الاعتقالات من خلال مخاطبة الجهات الرسمية ومجلس الوزراء والرئيس الفلسطيني، مشددا على ضرورة احترام الآراء وحرية التعبير طالما لم تتسبب في الإساءة لحريات الآخرين، وفي ظل الحديث عن المصالحة التي لم نرى نتائجها فعليا حتى اللحظة.
انتهاكاً واضحاً للمواثيق والأعراف الدولية
من جانبه، قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنه ينظر بقلق بالغ إزاء الانتهاكات التي تمارسها الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية بشأن حرية الرأي والتعبير وحق المواطنين في السفر، موضحاً أنه تلقى خلال العشرة أيام الأخيرة من الشهر الماضي (تشرين أول - أكتوبر) 42 شكوى عن اعتقال تعسفي و 27 شكوى عن استدعاء لمواطنين خارج نطاق القانون.
وذكر الأورومتوسطي أن معظم هذه الشكاوى تتضمن مخالفات لاتفاقيات حقوق الإنسان التي وقعتها فلسطين مؤخراً، كما أنها تمثل مخالفة للقوانين المعمول بها في فلسطين، كالاعتقال دون إبراز إذن قضائي، والاحتجاز التعسفي على خلفية أعمال ضمنها القانون الفلسطيني كالتعبير عن الرأي والتجمع السلمي، وعدم تعريف المتهم بالجرم المنسوب إليه، وعدم السماح لمحاميه بالتواصل معه أثناء فترة التحقيق، وتوجيه اتهامات فضفاضة كـ "قدح المقامات العليا" في إشارة إلى الانتقادات التي توجَّه إلى مسؤولي السلطة الفلسطينية، أو "إثارة النعرات الطائفية".
وأوضح المرصد الحقوقي الدولي في بيان صدر عنه اليوم الاثنين، 3 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014، أن السلطة الفلسطينية قامت مؤخراً بمنع الناشط الفلسطيني علي قراقع (24 عام) من السفر إلى الأردن وسلمته ورقة استدعاء لمقابلة جهاز المخابرات، وذلك فيما يبدو على خلفيّات ذات صلة بتعبيره عن آراء مخالفة لتوجه السلطة الفلسطينية.
ومن ناحية أخرى، قال الأورومتوسطي إن الأجهزة الأمنية ترفض في العديد من الحالات الإفراج عن مواطنين على الرغم من صدور أمر قضائي بالإفراج عنهم، لافتا إلى أن الاعتقالات تجري في العديد من الحالات على خلفية منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، أو على خلفية مواد صحفية تنشر على مواقع الكترونية وصحف محلية.
وأشار المرصد إلى أن تلك السياسات تؤشر إلى تعمد استهداف أصحاب الرأي وحقهم في حرية التعبير، وضرباً من الترهيب ومحاصرة الحريات العامة، حيث نص القانون الأساسي الفلسطيني في مادته رقم 11، على "عدم جواز القبض على أحد أو تفتيشه أو حبسه أو تقييد حريته بأي قيد أو منعه من التنقل إلا بأمر قضائي وفقا لأحكام القانون".
وطالب المرصد الأورومتوسطي الأجهزة الأمنية في الضفة الغربية بالكف عن سياسة الاستدعاءات والمنع من السفر، وإعطاء حرية التعبير مجالاً أوسع، مؤكداً على أنّ مواصلة الأجهزة لاستدعاءاتها بحق النشطاء دون تهم معلنة، يُعدّ انتهاكاً واضحاً للمواثيق والأعراف الدولية التي صانت حق الإنسان في حرية اعتناق الآراء دون مضايقة، ونقلها للآخرين دون حدود. داعياً المفوض الخاص بحقوق الإنسان "لاتخاذ ما يلزم من إجراءات لإلزام السلطة الفلسطينية باتفاقيات حقوق الإنسان التي كانت قد وقعت عليها".