بقلم: رامي مهداوي
سأدخل صلب الموضوع دون مقدمات، لأن ما أريد الحديث عنه أصبحنا نعيشه بشكل يومي لتصبح ظاهرة للأسف بمجتمعنا، فالعادة تحكم، والعرف يحكم، في كل القضايا الاجتماعية والمدنية والشخصية، وحتى الموروثات تحكم ومن هذه الموروثات والعادات التي لا تزال سارية، "العَطْوَة"، وهي الهدنة التي تؤخذ بين المتخاصمين، يعقدها وجهاء القوم، بحيث تمنع الاعتداء من كلا الطرفين، مكفولة بوجهاء يضمنون عدم الاعتداء.
قتل ثم عطوة، سرقة ثم عطوة، "طوشة" ثم عطوة، انتهاكات يومية للقانون في مختلف المجالات ثم عطوة، أصبحنا نعيش في ظلال العطوة العشائرية مبتعدين عن كل البعد عن الدولة المدنية.
من زاوية ثانية، تزايد الأعراف العشائرية في مجتمعنا الفلسطيني هو مؤشر خطير على فشل الدولة في حماية أفرادها وتشويه لصورتها الحداثية، وأيضاً ضعف واهتراء المؤسسات ذات الاختصاص وعدم مقدرتها على تنفيذ واجباتها تجاه المواطنين. لهذا يكفر المواطن في القانون وأدواته ويؤمن بالعشيرة وأدواتها. وهنا أقف حائراً لما تفضي إليه أغلب بنود العطوات العشائرية بما يتناقض مع أحكام الدستور والقانون!!
إذًا المعادلة واضحة وهي بين ضعف المحاكم وعدم إنفاذ القانون وبين قوة الصلح العشائري، حيث يقبل المواطنون أكثر على الصلح العشائري لحل منازعاتهم في ضوء تشجيع البعض بأن يكون هناك فلتان أمني للحفاظ على مصالحه المختلفة في ظل ترهل القانون وفقدان أنيابه!!
هناك أمور لا تعتبر جرائم في قانون العقوبات، لكن القانون العشائري يعتبرها كذلك، والقاعدة القانونية تقول: "لا جريمة ولا عقاب" إلا بنص القانون، وهنا يجب أن نسأل عن أهلية الحاكم في القانون العشائري، فقد تكون القضية رهينة بيد شخص معين، قد لا يكون كفؤاً ومؤهلاً للحكم في القضية؟! وأخشى أن يكون هناك رشى وشراء ذمم، ويكون على حساب الضعيف ولصالح القوي والمتنفذ.
وبالتالي فإن أي عقوبة على أي شخص يجب أن تتم من خلال نصوص القانون الذي تقوم المحاكم المدنية بتطبيقه، حيث لا سلطان على قضاتها إلا نصوص القانون، وهي مفتوحة للجميع ومحاكماتها علنية إلا إذا اقتضت الضرورة غير ذلك. لهذا فإن فرض العقوبات من أي جهة أخرى غير القضاء النظامي هو تعد على حرية الأفراد وحقوقهم، ومخالفة للدستور والقوانين المكتوبة لأن ذلك لا ينسجم مع مفهوم الدولة المدنية الحديثة.
حاجة المواطن الفلسطيني في ظل هذه الظروف، إلى سلطة تسترد له حقه وقانون يحميه، مهمة جدًا، ولا يمكن القول إن النظام العشائري عادل، لكن بالوقت نفسه مؤسسات القانون غير فاعلة وجازمة، لذا يبقى دور العشيرة مهماً في حياة المواطن الغلبان الباحث عن حقه في ظل هذه الفوضى التي بدأت تزداد.
لا أنكر بأن أعراف الجاهات العشائرية ساهمت خلال السنوات الماضية في حقن دماء الكثير من الناس وتحقيق استقرار في بعض الأحيان، لكنها ساهمت أيضًا في ضياع حقوق آخرين، وما قانون فنجان القهوة، الذي جعل شريحة المتهورين تستسهل ارتكاب الجرائم سواء في حوادث السير أو في بعض جرائم القتل، إلا شاهد على ذلك. على جهات الاختصاص في الدولة وضع حلول لصالح دولة القانون وتعزيز هيبة القضاء، حتى لا تصبح العشيرة هيئة القضاء العليا وأعرافها قوانين.
صحيفة الأيام
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز"