شمس نيوز/ عبدالله عبيد
تحاول المواطنة "أم خالد" (42 عاماً) أن تجد عملاً بديلا لتحصيل مصدر رزق لها ولعائلتها، بعد أن دمرت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة مكان عملها بسبب قصف الطائرات لمنزلها في حي الشجاعية شرق مدينة غزة.
وتقول "أم خالد" لمراسل "شمس نيوز": " كنت أعمل في مجال التطريز والخياطة ومكان عملي في المنزل، وأبيع هذه المنسوجات المطرزة وأحصل على قوت يومي، ومصروف أبنائي في المدرسة"، مشيرة إلى أن زوجها لا يقدر على العمل لإصابته خلال حرب 2008.
ولم تقدر هذه السيدة على إخفاء دمعاتها بعدما أصبح منزلها كومة ركام، وذهبت معه الآلة التي كانت تشكل مصدر رزقها الوحيد.
وتضيف: كان هذا العمل مصدر قوت لي ولأطفالي وزوجي، والآن لا أدري كيف أوفر لهم مصروفاً للمدرسة وطعاماً"، منوهة إلى أنها تعيش في بيت بالإيجار بعد تدمير بيتها.
وتعيش عائلة "أم خالد" في حي الشجاعية شرق قطاع غزة، كمئات العائلات، ظروفاً قاسية بعد انقطاع مصادر رزقها جراء تدمير آلاف المنازل ومئات المصانع والمؤسسات الاقتصادية في العدوان الأخير على القطاع.
أنتظر في بيتي
حال "أم خالد" كحال الكثيرات من النساء الفلسطينيات اللواتي يعانين الأمرّين في ظل وجود الاحتلال الإسرائيلي الذي ينغص عليهن حياتهن.
المواطنة أم محمد حسن (40 عاماً) فقدت هي أيضا مصدر الرزق الوحيد للأسرة التي تعيلها، بعد تدمير مكان عملها أثناء الحرب.
تقول "أم محمد" لـ"شمس نيوز":" بعد أن تم إحراق وتدمير أجزاء كبيرة من مصنع (العودة) الذي كنت أعمل فيه قبل الحرب، أنتظر في بيتي إعادة صيانته وإعماره حتى أعود لكسب رزق عائلتي".
وتضيف: قبل إحراق المصنع كنت أعمل على مدار الشهر وأتقاضى راتبا، أما الآن فأعمل حسب الحاجة، يعني أياما معدودة، وأتقاضى أجر اليوم الذي أعمل فيه"، مشيرة إلى أن المبلغ الذي تتقاضاه لم يعد كافياً لسد احتياجاتها وعائلتها.
هذه السيدة غير المتزوجة، هي التي تصرف على والدها، الذي أقعده المرض عن العمل وأخوتها السبعة، والتي كانت تتقاضى سابقاً في المصنع المدمر قرابة سبعمائة شيقل شهرياً، حيث تعرض منزلها لأضرار جزئية في الحرب جراء قذائف الاحتلال.
ولا يزال أهالي القطاع يعانون من تداعيات الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة، فتدمير الاحتلال قرابة ألف مصنع انعكست آثاره على العاملين، فمن بطالة وتشرد إلى انقطاع مصدر رزق عائلاتهم، لا سيما أن هناك نساء عاملات في تلك المصانع فقدن مصدر قوتهن الوحيد.
لا يوجد اهتمام
محمد التلباني، مدير عام مصنع العودة والذي كان يعمل فيه قرابة 400 عامل قبل الحرب، قدّر الخسائر التي لحقت بمصنعه جراء استهدافه من قبل الجيش الإسرائيلي أثناء الحرب الأخيرة على غزة بـ 25 مليون دولار أمريكي، لافتاً إلى أنه تعرض للقصف بالقذائف، التي أدت إلى احتراق وتدمير أجزاء كبيرة منه، وأوقفته بالكامل.
وأشار التلباني خلال حديثه لـ"شمس نيوز" إلى أنه اضطر بعد وقف العدوان، وتدمير أجزاء كبيرة من المصنع إلى تسريح مائتي عامل، من بينهم 42 سيدة اضطرتهن ظروفهن للعمل، معرباً عن أسفه لوقف هؤلاء عن العمل لأن ذلك يعني انقطاع مصدر رزق مائتي عائلة.
واستهجن التلباني من عدم اهتمام المؤسسات الرسمية بالاقتصاد المحلي ودعمه، مضيفاً : بدل أن تعمل الحكومة على ترميم ما دمره الاحتلال في الحرب وتدعم المنتج الوطني، تعمل على إغراق الأسواق بالبضائع الإسرائيلية والمستوردة، دون حسيب أو رقيب".
ويعاني أصحاب المصانع المدمرة من عدم إدخال مواد البناء لترميم ما دمره الاحتلال، فضلاً عن عدم إدخال المواد الخام لتشغيل المصانع، وكذلك بسبب إغراق السوق بمنتجات الاحتلال والمنتجات المستوردة.
مستهدفة ومقصودة
أما تيسير الصفدي، رئيس اتحاد الصناعات الغذائية في قطاع غزة، فأكد أن تدمير الاحتلال الإسرائيلي لمصانع قطاع غزة في الحرب الأخيرة كان مقصودا.
وأرجع الصفدي خلال حديثه لـ"شمس نيوز" الهدف من تدمير البنية الاقتصادية الفلسطينية والمنشآت الصناعية، غلى تحويل قطاع غزة لسوق استهلاكي بدلاً من أن يكون سوقا منتجا، لافتاً إلى أن عدد المصانع التي تدمرت بشكل كامل خلال الحرب الأخيرة تزيد عن 755 مصنعا.
وقال: بالنسبة لقطاع الصناعات الغذائية، فعدد المصانع التي تدمرت زهاء 65 مصنعا، منها 35 دمرت بشكل كامل، و30 بشكل جزئي وأضرار مباشرة"، موضحاً أن عدد العاملين في هذه المصانع يزيد عن 2200 عامل، والراتب الشهري لهؤلاء العمال يزيد عن أربعة ملايين وخمسمائة ألف شيقل شهريا، منها ما يزيد عن مليون شيقل رواتب للنساء العاملات فيها.
وأشار رئيس اتحاد الصناعات الغذائية في قطاع غزة إلى أنهم قدموا كشوفات حول أضرار المصانع، للرئيس محمود عباس ورئيس الوزراء رامي الحمدالله، ووزير الاقتصاد في حكومة الوفاق، "ولديهم تفاصيل كاملة عن كل مصنع على حده، ولكن الحلول مربوطة بالنتائج السياسية والشروط التي وضعها المانحون خلال مؤتمر القاهرة لإعادة إعمار القطاع" حسب قوله.
صعب للغاية
من جهته، بيّن رئيس الاتحاد العام للصناعات علي الحايك، أن المئات من المصانع تم تدميرها خلال الحرب الأخيرة على قطاع غزة، وأن التدمير شمل الكثير من القطاعات الصناعية، ومنها القطاع التي كانت تعمل به السيدات، كصناعات النسيج والخياطة وبعض الصناعات الخفيفة".
وأضاف الحايك لـ"شمس نيوز": تم إغلاق الكثير من البيوت وتشريد آلاف العمال نتيجة قصف المصانع، وفقد هؤلاء العمال قوت يومهم نتيجة تشريدهم وتدمير المصانع التي كانوا يعملون بها".
ولفت إلى أن هناك جزء من القطاع الصناعي أعاد ترميم المصانع التي دمرت جزئياً، "ولكن هناك أيضاً مصانع دمرت بشكل كلي وهي بحاجة إلى إعادة إعمار، وبحاجة إلى تعويضات من قبل المجتمع الدولي أو من السلطة الوطنية"، مشدداً على أن الوضع الاقتصادي في قطاع غزة صعب للغاية، نتيجة تدمير مئات المصانع وآلاف البيوت.
وأكد الحايك أن الحصار أيضاً ضاعف الوضع الاقتصادي سوءا، خصوصاً مع منع إدخال المواد الخام للقطاع الخاص، ومنع التصدير إلى الضفة الغربية.
عبء اقتصادي
الخبير الاقتصادي، د. سمير أبو مدللة، أكد أن المرأة الفلسطينية لها دور مهم جداً طوال سنوات النضال الفلسطيني، وتحملت عبئاً اقتصادياً، خاصة بعد اندلاع انتفاضة الأقصى ومنع دخول عمال إسرائيل وحالة الحصار.
وأوضح أبو مدللة لـ"شمس نيوز" أن هؤلاء النساء لجأن إلى العمل في المصانع المحلية، تحت شعار (العوز والحاجة) نتيجة فقدان المعيل، منوهاً إلى أن الحرب الأخيرة على غزة دمرت المئات من المصانع والمؤسسات التجارية، إذ أنها أضافت عبئاً جديداً على البطالة.
وبيّن أن "نسبة البطالة تصل في قطاع غزة إلى حوالي40% كانت فيما قبل الحرب الأخيرة، وبالتالي انضمام هذا الجيش الجديد من البطالة ومن ضمنه النساء سيزيد من حالة الفقر والحرمان لدى المجتمع الفلسطيني، خاصة وأن كثيرا من النساء هن المعيل الوحيد لبعض الأسر الفلسطينية بعد فقدان المعيلين من الرجال، إما من خلال منعهم من العمل بعد الانتفاضة أو استشهاد رب الأسرة، أو بسبب اعتقال رب الأسرة في سجون الاحتلال".
وزاد الخبير الاقتصادي قائلاً: أصبحت المرأة بحكم الظروف السياسية هي المعيل"، مجدداً تأكيده أن هذا الأمر سيزيد الوضع الاقتصادي صعوبة في الفترة القادمة، وسيزيد من حالة الفقر في قطاع غزة.
وشنت إسرائيل في السابع من يوليو/ تموز الماضي، حرباً على قطاع غزة استمرت نحو 51 يوماً، تسببت بتدمير الآلاف من منازل المواطنين، وفق إحصائية أولية لوزارة الأشغال العامة والإسكان الفلسطينية، بالإضافة إلى تدميرها أكثر من 700 مصنع ومنشأة تجارية.
وتقدر الإحصائيات أن الاحتلال الإسرائيلي دمّر خلال العدوان الأخير على قطاع غزة أكثر من 450 منشأة اقتصادية وصناعية بشكل كلي، و600 بشكل جزئي، مما تسبب في خسائر تقدر بحوالي مليار دولار.
وبحسب اتحاد الصناعات الفلسطينية، فإن الاحتلال دمّر مصانع أساسية تابعة لعدة قطاعات مثل قطاع الصناعات الغذائية والإنشائية والخشبية والكيميائية والبلاستيكية، حيث جاء الاستهداف في العدوان الأخير لتدمير ما تبقى من بقايا الاقتصاد الفلسطيني، بعد تعرضه لحربين سابقتين وحصار استمر ثماني سنوات.