شمس نيوز/ توفيق المصري
على حين غفلة، اندثرت كل تجهيزات عائلة جبريل لمولودها الجديد"جود" تحت أنقاض بيتهم بحي الرمال وسط مدينة غزة الذي حولته صواريخ الاحتلال إلى ركامٍ في ثاني أيام التصعيد الإسرائيلي الأخير على غزّة.
وما ذنب "جود" بأن يخرج من منزله بملف "بيبي" لم يقهِ برد الشتاء؟.. وكانت والدته ايناس وأبيه هيثم جبريل قد وضعا على مدار أشهر قرشًا على قرش لتجهيزه والتحضير لقدومه، حتى أن إيناس تسلمت قبل أيام من الحدث جمعية بـ 2100 شيقل زاد عليهم الأب ألفًا لتزيين البيت وتكريم ضيوفٍ كان يفترض قدومهم للمباركة، وملابس جلبها الجد لحفيده من الصين –لكونه تاجرًا- وصلت تكلفتها لـ1500 دولار.
سرير لمرّة واحدة
في الليلة الثانية للتصعيد، هرع هيثم وهو ينادي على زوجته إيناس بأن قومي وأسرعي لنهرب بعد أن استيقظت العائلة على زجاج يتساقط بفعل انفجار قوي هز الأرجاء تبين لاحقًا أنه صاروخ استطلاع (تحذيري) ضرب عمارة اليازجي السكنية المدنية التي يسكنوها، كما يفيد.
ويسترجع هيثم جبريل (29 عامًا) خلال حديثه لـمراسل "شمس نيوز" كل تلك اللحظات بتفاصيلها الدقيقة، حين شدّ بيد أطفاله ماجد (7 سنوات) ولمياء (5 سنوات) وسبقهما بخطوة للنزول، وزوجته العشرينية بالكاد حملت جسدها المنهك بفعل الولادة وتوجهت نحو باب بيتهم وهي تقول له "هات الولد"، سألها بسرعة وبصدمة "أي ولد؟"، ثم استدرك طفله الجديد "جود" فعاد ليحمله عن سريره الذي لم يهنأ في نومه الأول عليه بعدما اشتراه له بـ 700 شيقل.
قبل ذلك الخوف المتسلل إلى قلبه، قرر الأب هيثم الاستجابة إلى طلب طفليه بالسهر معهم في تلك الليلة التي يصفها بـ"المؤلمة والمشؤومة"، بعد عودته مع أمهم من ولادة "جود".
سقط الصاروخ الأول والثاني والثالث ثم العشرات وماجد ولمياء يسألانه: "ما هذه الأصوات يا بابا؟"، فيرد ضاحكًا: "إنها تحية قدوم أخيكم جود إلى هذه الدنيا".
ويقول لـ"شمس نيوز": "أطفالي كانوا يسألونني ما هذه الأصوات فماذا أقول لهم.. أأبلغهم أن (إسرائيل) تقتل فينا، وأنا الذي أريد أن يعيشوا حياة سعيدة كريمة بعيدة عن الحروب والخوف والقلق؟".
وبالعودة إلى زوجته ايناس (24 عامًا) التي خلدت إلى الراحة فور دخولها منزلها بعد يوم من مبيتها في المستشفى للولادة، لتحاول تخطي ولادتها الصعبة، ركضت على مناداة زوجها لأن تجري بسرعة لمغادرة البيت، وحالتها التي كانت تتمنى أن تتحسن ازدادت سوءًا؛ فمع كل خطوة كان نزيف من الدماء يزداد معها.
في دقيقة لا يمكن أن يخيلها عقل، كانت مدة نزولهم من الطابق الخامس إلى الأول برغم الجيران الذين ملأوا السلم، وما إن وصلوا إلى الشارع العام (الوحدة) قصفت الطائرات "الإسرائيلية" العمارة بعدة صواريخ، دمرت فيها شقة هيثم التي جهزها على أحدث المواصفات بـ140 ألف دولار ومازال حتى بعد قصفها على بند الديون.
وإلى جانب كل تلك الأحلام المدمرة، ينقل لنا مطالب أطفاله البسيطة، أولهم ماجد الذي خجل من أن ينظر إلى عينه في اليوم الذي أعقب تدمير المنزل، وقال له بلهجة الطفولة البريئة: "يا بابا كفاتي وأيبادي وشنطتي في البيت اللي انقصف".
ويتابع ماجد: "يا بابا بدي اليهود يروحوا ع الصين يجيبولي منها كل أغراضي الحلوة".. !
ويختم الأب هيثم مطالبًا وزير الأشغال العامة والإسكان مفيد الحساينة، والجهات المعنية بتعويضه عن منزله، موضحًا أنه يفكر باستئجار شقة.. لكنها ستحتاج إلى عفش وهو لا يملك مالاً ليدفع أجرتها؛ فهو فقد المال وذهب زوجته وكل ما يملك تحت الأنقاض.