قائمة الموقع

صناعة الكذب... الفن الهابط

2018-12-11T14:10:00+02:00
غازي الخالدي

بقلم / غازي الخالدي

لم يكن هذا العالم في السابق يحلم بهذا التطور والانفتاح الرهيب وتكسير الحدود التي أوجدتها الطبيعة والحكومات، في السابق كان يصعب الوصول إلى الأخبار أو معرفتها بسبب البعد الجغرافي للمناطق والدول، حتى في بدايات التقدم ونشأة الصحافة كانت عملية نقل الأخبار صعبة ومرهقة تحتاج إلى مدة طويلة من الزمن لينتقل الخبر من دولة إلى أخرى.

ومع نشأة وسائل الإعلام التقليدية من صحف ومجلات والإذاعة وصولاً إلى التلفزيون، انقلبت الموازين بسبب التطور الهائل في القرن العشرين والواحد وعشرين، الذي كان له أثر كبير على تداول الأخبار بسرعة ويسر دون الحاجة إلى العناء كما في السابق، بسبب عصر التطور والعولمة.

الإعلام ومنذ نشأته اُستخدم فيه سياسات التظليل والتزييف ونشر الأكاذيب، سواء كانت لأهداف سياسية بحثه أو أهداف عسكرية كما في الحربين العمالية الأولى والثانية، المتمثلة في الحرب النفسية وقلب الحقائق ونشر الخوف في صفوف المواطنين والجيوش لزعزعة الاستقرار الأمني والسياسي للدول، وهذا ما يحدث الأن في وطننا العربي نتيجة للخلافات السياسية الحادة بين الدول، حيث أصبحت الاخبار الكاذبة من الأسلحة الفتاكة في المعارك السياسية.

ولكن مع التطور التكنولوجي الهائل في مجال الاتصالات والمعلومات, وإيجاد بيئة رقمية جديدة ومنصات وسائط مختلفة لما كان موجود في السابق من وسائل اتصال وإعلام تقليدية, أدى إلى تغير النمط الاتصالي من النمط الاتصالي الرأسي الذي يعتمد على القائم بالاتصال في إرسال المضامين الإعلامية المختلفة, إلى نمط اتصالي أفقي يسمح بقيام المواطن العادي بصناعة وإرسال الإخبار, بل وصل الحد إلى اعتماد الوسائل الإعلامية على المواطنين في تلقي المعلومات, وذلك يعود إلى نشأة صحافة المواطن التي ساعدت على إنشاء تربة خصبة لصناعة الأخبار الكاذبة وتداولها بسرعة البرق.

ومن هنا أصبح من السهل إغراق المواقع الإخبارية ومواقع التواصل الاجتماعي بالأخبار الكاذبة والمفبركة التي تنشر، سواء بشكل متعمد للتضليل أو التشويه أو بشكل غير مقصود، ويرجع هذا إلى عدم قدرة واندثار أهمية سلطة حارس البوابة في مراقبة وفلترة الرسائل الاتصالية التي تبث، وعد المقدرة في التحكم في التدفق الهائل من المعلومات التي تنشر على مدار اللحظة، بفضل التكنولوجيا القنوات الاتصالية السريعة في تداول المعلومات.

كل هذا أدى إلى ظهور فن هابط تستخدمه الدول والحكومات لتحقيق مكاسب جمة، وهو صناعة الكذب الذي يعتمد على قولبة المعلومات والحقائق واستبدالها بمعلومات كاذبة، وهذا ما يطلق عليه بالسرديات البديلة، أي المعلومات المزية التي تحل محل المعلومات الحقيقية، وتعتمد هذه السرديات على الوتر الحساس في استمالة الجمهور من خلال العاطفة ووتر الخوف الذي يدفعهم لتصديق كل ما يشاع على أنه حقيقة.

نحتاج إلى دراسات منظمة وجهود مضنية لمحاربة هذا الفن الذي يستخدم كل الأدوات والتقنيات والتكنولوجيات الحديثة لصناعة الكذب وإذابة الحقائق، لدى نحن بحاجة إلى مؤسسات مختصة لمحاربة هذا الفن الذ تصرف له الدول الكثير من الأموال في سبيل تحقيق أهدافها، وخاصة أننا في مجتمع يقع تحت الاحتلال ويتعرض لهجمات شرسة من دعاية وحرب نفسية من قبل الاحتلال لإضعاف الجبهة الداخلية للمجتمع الفلسطيني بأكمله، نحتاج إلى أدوات قوية لتدعيم روايتنا الفلسطينية أمام العالم الذي ينبهر بما تقدمه الرواية الإسرائيلية عن الفلسطينيين.

اخبار ذات صلة