قلم/ إبراهيم إبرش
حديث الرئيس أبو مازن في اجتماع القيادة الفلسطينية مساء السبت الثاني والعشرين من ديسمبر الجاري بأن المحكمة الدستورية اتخذت قرارا بحل المجلس التشريعي والدعوة لانتخابات خلال ستة أشهر ، أثار كثيرا من ردود الفعل المستنكرة والرافضة وخصوصا من طرف حركة حماس ذات الأغلبية في المجلس التشريعي ومن أحزاب أخرى من داخل منظمة التحرير ومن خارجها ، وفي نفس الوقت تصدت حركة فتح تحديدا للدفاع عن هذا التوجه ،وأدلى كل طرف بدلوه في تبرير موقفه .
سنقوم بمقاربة الموضوع من خلال النقاط التالية : حيثيات صدور القرار ، موقف الأطراف المعارضة للقرار ، موقف الأطراف المؤيدة للقرار ، القرار وما له وما عليه .
أولا : حيثيات القرار وخلاصته
نوضح أن قرار المحكمة الدستورية جاء كرد على طلب مقدم من وزير العدل بتاريخ 2/12 /2018 بناء على تأشيرة رئيس مجلس القضاء رئيس المحكمة العليا " لتفسير المادتين (47و 47 مكرر) والمادة (55) من القانون الأساسي وتعديلاته ، بهدف بيان فيما إذا كان المجلس التشريعي منتظم في عمله أم أنه معطل، وفيما إذا كان أعضاء المجلس التشريعي في وضعه الحالي يستحقون رواتب أم لا" . بمعنى أن الطلب المقدم يطالب بتفسير بنود مواد في القانون الاساسي باعتبار أن هذا الأخير هو مرجعية السلطة الوطنية الفلسطينية التي يعتبر المجلس التشريعي جزءا منها .
وكان قرار المحكمة الدستورية كما يلي :
" قررت المحكمة الدستورية بشأن التفسير المقدم ما يلي:
-إن شرعية وجود المجلس التشريعي تكون بممارسة اختصاصاته التشريعية والرقابية، ونظرا لعدم انعقاده منذ سنة 2007م، يكون قد افقده صفته كسلطة تشريعية وبالنتيجة صفة المجلس التشريعي.
-عدم انطباق نص المادة (47 مكرر) في حالة عدم اجراء الانتخابات الدورية للمجلس التشريعي أي كل أربع سنوات، وهذا يعني انه لا يمكن تطبيق المادة (47 مكرر)، إلا في ظل وجود مجلسين، مجلس منتهي ولايته القانونية، ومجلس جديد منتخب.
-أما بشأن تفسير نص المادة (55) ترى المحكمة الدستورية العليا عدم وجود أية اسباب موجبه لاستمرار تقاضي اعضاء المجلس التشريعي المنتهية مدة ولايته لأية استحقاقات مالية أو مكافآت منصوص عليها في القوانين او اللوائح ذات العلاقة في الشأن التشريعي اعتبارا من تاريخ صدور هذا القرار.
-إن المجلس التشريعي في حالة تعطل وغياب تام وعدم انعقاد منذ تاريخ 5-7-2007م، وقد انتهت مدة ولايته بتاريخ 25-1-2010م، أثناء مدة تعطله وغيابه، وما زال معطلا وغائبا بشكل كامل حتى الآن، وبناء عليه فإن المصلحة العليا للشعب الفلسطيني ومصلحة الوطن، تقتضي حل المجلس التشريعي المنتخب بتاريخ 25-1-2006م، وبالتالي اعتباره منحلا منذ تاريخ اصدار هذا القرار.
-دعوة فخامة رئيس الدولة إلى اعلان اجراء الانتخابات التشريعية خلال ستة اشهر من تاريخ نشر هذا القرار في الجريدة الرسمية."
ثانيا : موقف المعارضين للقرار
انبنى موقف هؤلاء على تخوفات سياسية ومسوغات قانونية منها :
1- عدم شرعية القرار لأنه صادر عن جهة غير ذي اختصاص من وجهة نظرهم – المحكمة الدستورية – حيث إنهم لا يعترفون بها وسبق أن طعنوا بتشكيلها .
2- إن المجلس التشريعي سيد نفسه ولا يوجد نص في القانون الأساسي يمنح أية جهة سلطة حل التشريعي .
3- إن القرار يتعارض مع القانون الأساسي الذي ينص على أن ولاية التشريعي تستمر إلى حين إجراء انتخابات تشريعية وتشكيل مجلس تشريعي جديد ،أي أن الانتخابات تسبق حل التشريعي وليست لاحقة له كما يقول قرار المحكمة الدستورية .
4- تخوفات أن يتم حل التشريعي ولا تُجرى الانتخابات في الموعد المحدد ،وهناك أسباب متعددة قد تُعيق إمكانية إجراء الانتخابات .
5- الزعم بأن حل التشريعي سيمركز السلطة في يد الرئيس أبو مازن والسلطة التنفيذية وسيحول النظام السياسي الفلسطيني لنظام دكتاتوري .
6- حل التشريعي سيُفقد السلطة الوطنية ذاتها الشرعية ،ومن هنا يطالبون إن كان لا بد من حل أن يتم حل التشريعي والسلطة معا .
7- حل التشريعي يعتبر التفافا على إرادة الشعب الذي انتخب في يناير 2006 بالأغلبية حركة حماس ومنحها الأغلبية من مقاعد التشريعي .
8- إن حل التشريعي سيؤدي لتعزيز الانقسام وفصل غزة عن الضفة ويخدم صفقة القرن .
ثالثا : المؤيدون للقرار
وهؤلاء في أغلبيتهم من حركة فتح ويدافعون عن القرار انطلاقا من المعطيات التالية :
1- منظمة التحرير الفلسطينية ومؤسساتها ورئيسها هم المرجعية الشرعية للشعب الفلسطيني والمؤتمنون على القضية الوطنية ومصدر السلطات كافة ومن حقهم اتخاذ ما يلزم من إجراءات وقرارات من أجل المصلحة الوطنية العليا .
2- إن المحكمة الدستورية أعلى سلطة قضائية في البلاد ومن اختصاصها البت في القضايا الخلافية بين مؤسسات النظام السياسي
3- المجلس التشريعي منتهي الصلاحية لعدم إجراء الانتخابات في موعدها .
4- المجلس التشريعي فقد شرعيته عندما انقلبت حركة حماس على السلطة وأسست سلطتها الخاصة ، فمنذ ذاك التاريخ لم يعد المجلس التشريعي يمارس صلاحياته لتشمل الضفة وغزة وبالتالي لم يعد يمثل من انتخبوه .
5- المجلس التشريعي في غزة يشرع قوانين تتعارض مع القانون الأساسي ويقتصر نفاذها على قطاع غزة .
6- حركة حماس توظف وجود المجلس التشريعي في غزة لتضفي الشرعية على سلطتها هناك .
7- ترفض حركة حماس حل التشريعي لأنها لا تريد إجراء انتخابات وتخشى فقدان الأغلبية .
8- إن حركة حماس تريد استمرار المجلس التشريعي لأن وجود سلطة تشريعية وسلطة تنفيذية وسلطة جبائية ومنفذ دولي يشكل المرتكزات والشروط السياسية والقانونية لقيام دولة في غزة تحت سيطرتها .
رابعا : القرار إما أن يقطع شعرة معاوية أو يحرك ملف المصالحة
في هذا السياق نبدي الملاحظات التالية :
1- وزير العدل طلب تفسيرا لمواد بعينها ، المادتين (47و 47 مكرر) والمادة (55) من القانون الأساسي وتعديلاته ، بينما قرار المحكمة تجاوز ما طُلب منه حيث فسر وشرح مطولا المواد الملتبسة أو موضع الخلاف وتجاوز التفسير إلى التقرير وذلك من خلال مطالبته بحل المجلس التشريعي وإجراء انتخابات تشريعية خلال ستة أشهر .
2- بالرغم من ذلك فقد أوكل قرار المحكمة الدستورية للسيد رئيس دولة فلسطين محمود عباس "أبو مازن" أمر التنفيذ وآليته وتاريخ تطبيق القرار .
3- القرار من حيث المضمون والشكل لا يخلو من التباس وربما عن قصد ، مما يبقي الباب مواربا إن لم يكن بالنسبة لحل التشريعي فبالنسبة لإجراء الانتخابات ومواعيدها وآليات إجراءها ، وخصوصا أن القرار صدر عن المحكمة الدستورية في جلسة المحكمة يوم الأربعاء الموافق الثاني عشر من شهر كانون الأول (ديسمبر) 2018 أي قبل عشرة أيام من إعلان الرئيس عنه ، كما أن الرئيس أبو مازن قال إن القرار سيتم عرضه على الهيئات القيادية للبحث في أمر تنفيذه ،هذا بالإضافة إلى أن القرار يحتاج للنشر في الصحيفة الرسمية ومرسوم من الرئيس للإعلان عن موعد إجراء الانتخابات .
4- هذا الجدل وإن كان يبدو قانونيا ودستوريا إلا أنه في حقيقة الأمر أقرب للمناكفات السياسية وتعبير مكثف عن أزمة النظام السياسي وأزمة الثقة بين مكوناته مع حسابات حزبية ضيقة ومبطنة عند البعض من غير المعنيين بالمصلحة الوطنية العليا .
5- كل الشرعيات ملتبسة أو معطلة أو غير شرعية والأمر لا يقتصر على المجلس التشريعي وحده .
6- المجلس التشريعي معطل بالفعل عن القيام بواجباته المنصوص عليها في القانون الأساسي حيث أنه منذ الانقلاب يمارس سلطة تشريع ورقابة تقتصر جغرافيا على قطاع غزة وبالتالي فاقد لصفته التمثيلية التي يجب أن تشمل غزة والضفة .
7- القانون الاساسي الفلسطيني المعدل لعام 2003 ،الذي يتذرع ويستشهد به كل من المؤيدين لقرار الدستورية والمعارضين له ، شاهد زور وتم تجاوزه من سلطتي غزة والضفة منذ سنوات .
8- هذا الجدل أو الخلاف حول المجلس التشريعي مرتبط بالجدل الذي ثار وما زال حول ما تسمى العقوبات على غزة إن كانت إجراء لتكريس الانفصال كما تقول حركة حماس ومن يؤيدها من الفصائل أم إجراء لإنهاء الانقسام وإجبار حماس على العودة لحوارات المصالحة كما تقول حركة فتح ومن يناصرها ، ويجب التنويه بأن الرئيس أبو مازن ذكر بأن حل المجلس التشريعي جزء من الإجراءات التي تهدف لوضع حد للانقسام .
9- لو أخذنا بعين الاعتبار المرحلة الانتقالية التي يمر بها النظام السياسي من سلطة حكم ذاتي إلى مرحلة الدولة وهي مرحلة تتطلب إعادة النظر بالمرحلة السابقة كما نصت قرارات المجلس الوطني والمجلس المركزي والتي لا تتعلق بالمجلس التشريعي وحده بل تشمل إعادة النظر في الاعتراف بإسرائيل وبوظيفة السلطة وبالتنسيق الأمني وبروتوكول باريس الاقتصادي الخ وهي قرارات رحب بها الجميع حتى المعارضون لقرار الدستورية ، لو تم النظر لقرار الدستورية من هذا المنطلق لضعفت حجة المعارضين لقرار حل التشريعي ، حيث لا يجوز لمن يطالب بتجاوز مرحلة أوسلو وسلطة أوسلو ومؤسساتها وارتباطاتها أن يتمسك بمجلس تشريعي لسلطة أوسلو ،سلطة الحكم الذاتي .
10- مما لا شك فيه لو كان قرار حل التشريعي وإجراء انتخابات جاء في سياق جلسات المصالحة لكانت ردود الفعل المعارضة أقل حدة وكان قابلا للنقاش وخصوصا إن تم إدراج الانتخابات الرئاسية أيضا ، ولأنه لم يحدث ذلك فإن قرار الدستورية يعتبر متجاوزا لاتفاقات المصالحة سواء اتفاق القاهرة مايو 2011 أو اتفاق القاهرة في أكتوبر 2017 .
وأخيرا وفي ظل حالة الاحتقان والتصعيد والتشكيك وتوقف حوارات المصالحة فإن قرار المحكمة الدستورية ، شأنه شأن بقية الإجراءات المتخذة تجاه غزة ، إما أن يفتح أفقا للمصالحة أو سيقطع شعرة معاوية مع غزة ، والأرجح أن ترفض حركة حماس هذا القرار ويستمر المجلس في عمله كسلطة تشريعية لدولة غزة وربما يتخذ المجلس التشريعي في غزة قرارات مضادة تجاه الرئيس والسلطة الوطنية ، وبالمقابل سيتحول المجلس المركزي لسلطة تشريعية للسلطة القائمة في الضفة إن لم تجر انتخابات تشريعية تقتصر على الضفة الغربية يتمخض عنها مجلس تشريعي جديد وبديل لمجلس غزة .