بقلم: صادق الشافعي

"العوجة" في الكلام المحكي السوداني تعني "المشكلة"، الأحداث المتواصلة في مدن السودان منذ أيام عديدة تؤكد ان هناك "عوجة". "عدم التغيير" هو أساس "العوجة" وعنوانها العام والناظم.
حكم الرئيس البشير المتواصل للسودان دون أي تغيير يدق باب السنة الثلاثين، وهناك حديث جاد عن تعديل دستوري يسمح بتمديد حكمه لسنوات إضافية قادمة.

الرئيس البشير في هذا الأمر ليس حالة استثنائية، فكثير من الرؤساء في اكثر من دولة عربية يقومون بنفس الشيء. والحديث هنا لا يدور عن الأنظمة الملكية حيث تسمح طبيعة النظام الملكي بذلك، بل يدور حول الأنظمة الجمهورية التي تحدد دساتيرها عدد سنوات الحكم وعدد دورات التجديد بحيث لا تتعدى مدة الحكم الإجمالية عددا محددا من السنين.
ان كون حالة الرئيس البشير ليست حالة استثنائية لا يعني صحة هذه الحالة له، ولا لغيره من الحكام.

حكم الرئيس البشير، كغيره أيضا، ظل في طابعه العام فرديا. فقد ظل هو من يتحكم في تشكيل مؤسسات الدولة وأجهزتها وحكوماتها وتعيين ولاة الأقاليم وكبار موظفي الدولة بما في ذلك الجيش وأجهزة الأمن المختلفة، وظل هو من يقرر سياسات البلد.
الانفراد بالحكم لم يطق استمرار الشراكة مع من تشارك معهم بالخطوة الافتتاحية للوصول الى الحكم، والمقصود هنا الحركة الإسلامية ورمزها الأبرز – الترابي.

دون إنكار لوجود تدخلات خارجية او الإقلال من تأثيراتها، بحجمها الحقيقي، فإن طول فترة حكم الرئيس البشير وفرديتها لم يوفرا للسودان وأهله حالة عامة من الازدهار والتطور، بالذات في المجالات المتصلة بالحياة اليومية للناس العاديين وباهتماماتهم العامة. ونكتفي بالتعرض لثلاثة من تلك المجالات:
* الاقتصاد، تراجع بشكل كبير والأسعار وتكلفة الحياة ارتفعت بأرقام قياسية، والعملة تدهورت قيمتها بشكل درامي.
منذ أجيال كثيرة ونحن نسمع ونقرأ مقولة "السودان هو سلة غذاء الوطن العربي".

أساس هذه المقولة هو اتساع مساحات الأراضي الخصبة في السودان، ووفرة المياه فيه القادمة من نهر النيل الذي يمر فيه، وانهار عديدة أخرى. لكن هذه المقولة لم تتحقق، فالاقتصاد حتى يزدهر وتتحقق المقولة يحتاج الى توفر ضرورات أساسية: منها الاستقرار العام، ومنها التخطيط العام بعيد المدى، ومنها المشاريع التي تبادر الدولة الى التخطيط لها وإقامتها او رعايتها، ومنها السياسات والقوانين الاقتصادية بتفاصيلها الكثيرة المشجعة للاستثمار الوطني والخارجي (العربي بالدرجة الاولى)، ومنها توفر المرافق العامة من طرق وموانئ وخدمات، ومنها...ومنها... وهذه ضرورات لم ينجح النظام الحاكم في توفيرها بالدرجة المطلوبة.

* تراجع، بشكل واسع، دور وحيوية الحركة السياسية والديمقراطية والاجتماعية ودرجة تأثيرها ومشاركتها في الأمور العامة المتعلقة بالدولة وبالناس. وترافق ذلك مع تراجع مطرد في الحريات الديمقراطية.
تراجع حضور ودور الأحزاب التاريخية: من الأمة الى الاتحادي الى الشيوعي وغيرها. كما تراجعت بشكل لافت أدوار الاتحادات الشعبية الديمقراطية، وبشكل خاص اتحاد نقابات العمال والاتحاد النسائي الديمقراطي واتحاد الطلبة. وثلاثتهم بقدر ما كان لهم من دور فعال ومؤثر داخل السودان كان لهم حضور مهم ومؤثر على المستوى الدولي، واحتل ممثلوهم مواقع أولى في الاتحادات العالمية المناظرة.

* استمرار الأعمال العسكرية في اكثر من منطقة بغض النظر عن حجمها وتأثيرها، وعن صحة وصوابية أهدافها وبعدها عن الارتباطات والتأثيرات الخارجية، ووصل ذلك الى التسليم بانفصال الجنوب السوداني. وقد اثبت تطور الأوضاع في الجنوب خطأ هذا التسليم:
فقد تم اكتشاف النفط بكميات تجارية في مناطق الجنوب، وكان لذلك لو استمر الجنوب كجزء من السودان وتم استثماره بشكل جدي ان يقود الى تحسن ملحوظ في الاقتصاد السوداني بشكل عام والى التحسن في أحوال ومعايش الناس.
وقد تأكد ان قبائل الجنوب وقواها السياسية لم تكن مؤهلة للحكم المنفصل المستقل.

تأكد ذلك في الانقسامات العمودية التي حصلت في مجتمع الجنوب على أسس قبلية وإثنية، وفي الحروب الدموية المستمرة على السلطة، بما يمنع قيام كيان سياسي متماسك. وهذا ما جعل من الجنوب أرضا مفتوحة لتدخل القوى والدول الخارجية (بالذات دولة الاحتلال الإسرائيلي) تنهب خيراته، وتجيّر احتياجاته وضعفه لخدمة أهدافها ومخططاتها الخاصة لعموم المنطقة، وبالأخص الدول والمناطق المجاورة.

الرئيس البشير كرر في معظم خطاباته خلال الأحداث الأخيرة ان الحل والتغيير يكون عن طريق الانتخابات. وهذا فعلا هو الطريق الطبيعي. حبذا لو اكمل السير في هذا الطريق بإعلانه:
- تعجيل موعد الانتخابات العامة.
- وقف كل الإجراءات ضد المتظاهرين السلميين وحركاتهم الاحتجاجية.
- التعهد برفع أي قيود وضعت على حرية المشاركة بالانتخابات.
-  الالتزام بديمقراطية ونزاهة الانتخابات حتى لو تطلب الأمر إشراف هيئات قارية او دولية. 
-  عدم رغبته في تمديد فترة رئاسته، وتعهده باحترام نتائج الانتخابات.
أهل السودان هم أهل السماحة والطيبة والإخلاص والوطنية والانتماء الى العروبة، والموقف الحاسم ضد الكيان الصهيوني المحتل.
ولديهم من الخبرات ومن الكفاءات في كل المجالات ما يمكن ان يحوّل السودان الى بلد مستقر مزدهر ويحقق مقولة "السودان سلة غذاء الوطن العربي".

عن صحيفة الأيام 

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز"