قائمة الموقع

غاز شرق المتوسط.. حرب إسرائيل الجيوسياسية عبر الأراضي المصرية

2019-01-20T08:42:00+02:00
صوفيا

بقلم: صوفيا خوجاباشي

 

كان مجرد حلم قبل 15 عامًا.. هكذا وصف يوفال شتاينتس، وزير الطاقة الإسرائيلي، من القاهرة، الأحلام الإسرائيلية في تصدير الغاز الإسرائيلي إلى الدول العربية وأوروبا.

"حلمٌ" في الفلسفة الكلامية لوزير كيان الاحتلال الإسرائيلي، ومطمع استراتيجي واقتصادي إسرائيلي بتعبير واقعي؛ عن مخطط مستمر لاغتصاب الموارد العربية، واحتكارها، ثم التعامل مع كل هذه المكاسب من منظور جيوسياسي لعين، واستثمارها في ما يخدم المصالح الإسرائيلية في منطقة الشرق الأوسط، وعلى نطاق توسعي نحو أوروبا.

عملاق الغاز الإسرائيلي الآخذ في النمو جرّاء السطو على الحق الفلسطيني في حقول ليفاثان وتمار المكتشفة، بسعة احتياطية مجتمعة بلغت حوالي 800 مليار متر مكعب، بقي حلما اغتصابيا محاصرا، إلى أن وُجد المارد المخلص لإسرائيل، الذي أتاح لها سوقا استثمارية استراتيجية، لتصريف بضاعتها من الغاز المنهوب نحو الدول العربية وأوروبا، من خلال الاتفاق المصري الإسرائيلي، الذي سيدخل حيز التنفيذ بعد أشهر، بحسب الوزير الإسرائيلي.

معضلة التصدير الإسرائيلية التيكانت تتمثل بعدم امتلاك إسرائيل لأنابيب نقل الغاز إلى بلدان التصريف الأهم على خارطة الطاقة، فضلا عن عدم وجود منشآت لتسييل الغاز في إسرائيل، وجدت حلّها عند السيسي بعد مصادقة الحكومة المصرية على قرار السماح للشركات الخاصة باستيراد الغاز من أي دولة في العالم، وحتى إسرائيل، مما فتح الباب أمام توقيع اتفاق بين شركتي ديليك دريلينغ ونوبل إينيرجي الإسرائيليتين، وشركة "دولفينوس هولدينغ" المصرية؛ التي يملك معظم أسهمها رجل الأعمال المصري علاء عرفة، بقيمة 15 مليار دولار.

وبعيدا عن الدخول في تفاصيل مسلّم بها تأخذ بنا إلى رفض كل أشكال التطبيع الاقتصادي بين الدول العربية وإسرائيل؛ لأن الواقع يشير إلى تطبيع أعمق وأدق من هذا بكثير، وعلى جميع المستويات منذ سنوات طويلة، سنحصر إطار الحديث هذا في الأبعاد الجيوسياسية من المخطط الإسرائيلي لدخول سوق الغاز من أوسع أبوابه، تحقيقا لغايات كارثية على جميع المقاييس الاستراتيجية العربية.

فمصر التي تمتلك اليوم أكبر حقل للغاز في البحر الأبيض المتوسط "ظُهر" (30 تريليون قدم مكعب)، إضافة إلى حقل نور المكتشف حديثا، الذي يقدر بأنه يحتوي على 90 تريليون قدم مكعب، لا تحتاج لاستيراد الغاز من إسرائيل. لذلك، فالصفقة التي ستضخ الحياة في الشريان الاقتصادي الإسرائيلي على حساب العجز في الميزان الاقتصادي المصري، تأخذ بعدا أعمق من اتفاقية استيراد وتصدير وحتى تطبيع.

وهذا يشبه إلى حد كبير حسابات الخسارة المصرية اتفاق تصدير مصر 40 في المئة من احتياجات إسرائيل من الغاز عام 2005 حيث كانت تبيع مصر بموجبها الغاز لإسرائيل بأقل بكثير من سعره العالمي، مما سبب خسارة ما يقارب 700 مليون دولار؛ على يد مهندس الاتفاق حسين سالم، الذي أدانته محكمة جنايات القاهرة عام 2013 وبرأته عام 2017، بعد أن تصالح مع السيسي وتنازل عن 75 في المئة من ثروته في مصر.

إن جوهر الأسباب الداعية إلى الاتفاقية المصرية - الإسرائيلية، الذي يجيب ربما على لغز هذه الاتفاقية المثيرة للجدل والرفض ضمن الشارع المصري، هو ما صرح به وزير الطاقة الإسرائيلي على هامش منتدى شرق المتوسط للغاز الطبيعي المقام في القاهرة، عندما أكد أن الغاز المصدر إلى مصر سيتم استخدم نصفه في السوق المصرية المحلية، على أن يتم تسييل النصف الآخر لإعادة تصديره، لتؤدي مصر هنا دور عقدة الاتصال بين إسرائيل والسوق الخارجية في أوروبا، وتقدم لها فرصة التنافس على مركز الطاقة في الشرق الأوسط؛ محققة بذلك مكاسب من أهمها:

1- بداية، إن الصفقة التي مهدّ لها السيسي، إرضاء لحليفه وتصديقا لنبوءات حاخامات إسرائيل حين وصفوه بالهدية السماوية لإسرائيل، ستساهم في إنعاش كيان الاحتلال اقتصاديا، واستثمار ذلك في دولة تزيد الخناق على الفلسطينيين وأراضيهم أكثر فأكثر.

2- في ظل المنافسة المشتعلة على غاز المتوسط، تسعى إسرائيل إلى اقتحام سوق إنتاج الغاز كمركز للطاقة في الشرق الأوسط، وتصديره ليس من منطلقات اقتصادية فحسب، بل من منطلق جيوسياسي، يوفر لها تحكما بموارد المنطقة، وفرض إملاءاتها بشكل أعمق على دول الجوار؛ من خلال ممارسة ضغوط سياسية واقتصادية، بعد تصدير نفسها عالميا كدولة منتجة للغاز ومصدرة إلى السوق الذي يتزايد احتياجه للطاقة، خاصة في أوروبا، وهو الهدف الأهم.

في المحصلة، فإن غاز شرق المتوسط الذي من المحتمل أن يشعل حربا مستقبلية على إنتاج وتصدير الطاقة بين دول حوض البحر الأبيض المتوسط، التي تسعى دول عديدة إلى الاستحواذ عليه، تتنازل مصر السيسي عن حقها السيادي في الاستفادة منه بخطة استراتيجية واقتصادية مدروسة، تقود إلى تنمية حقيقية، لصالح تحقيق طموحات إسرائيل الاستراتيجية، وتدفع الثمن عجزا في ميزانيتها وإفقارا أكثر لشعبها، فيما يمكن اعتبار أن المستفيد الأكبر من ذلك على الطرف المصري هم رجال الأعمال والتجار، الذين يتقاسمون الانتفاع من ذلك مع رؤوس النظام المصري، في تجاهل واضح لحقوق الشعب المصري بعائدات تلك الموارد، ذلك أن التفريط بالثروات الطبيعية، أو نهبها وسرقتها بمعنى أدق، حديث ذو شجون في صفحات التاريخ العربي الحديث، وليس حكرا على مصر وحدها.

عن موقع عربي 21 

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها 

اخبار ذات صلة