قائمة الموقع

عن مسيرات العودة وكسر الحصار .. محاولة للتقييم

2019-02-02T15:23:00+02:00
العودة

بقلم: حسين حجازي

يجمع التحليل السياسي الفلسطيني او يتفق بشكل عام على ان مسيرات العودة على حدود غزة شكلت تحولاً استراتيجياً مهماً، ليس لأن حركة حماس تبنت أخيرا ما يسمى بالنضال السلمي او اكتشفت أهمية القوة الناعمة، ولكن لأن هذه المسيرات شكلت تطوراً جديداً في استمرارية قدرة الفلسطينيين، خصوصاً هنا في غزة على تبني أسلوب او مفهوم لمواصلة الاشتباك مع إسرائيل، وبالتالي ليس العمل على احراج هذه الأخيرة، ولكن أيضاً إجبارها بالأخير على فك الحصار عن غزة الذي ارهق المدينة وأتعبها على مدى اثني عشر عاماً.

وفي التحليل السياسي فان هذه المسيرات هي امتداد للانتفاضة الفلسطينية الكبرى عام 1987، مع فارق ان الانتفاضة الأولى كانت تعبيرا جماعيا بين الضفة الغربية وغزة، ولكن من الواضح ان هذه المسيرات الغزية لفهم دلالتها لا يمكن مقارنتها الا بالعودة الى الانتفاضة الاولى. فآن ذاك اخذ الفلسطينيون على عاتقهم الانتفاضة لأنه لم يعد بامكانهم ان ينتظروا منظمة التحرير الفلسطينية في الخارج، وكانت الانتفاضة الاولى تعبيراً عن تبدد هذا الامل او الرهان او الوهم في الواقع من انه يمكن تحرير فلسطين من الخارج .

ويمكن القول إن مسيرات العودة تعبير هي الأخرى عن تبدد وهم ما، بعد ان اكتوى المواطنون في غزة بثلاث حروب كبرى مع اسرائيل، ولكن دون ان يؤدي ذلك الى كسر الحصار او تغيير الواقع الجيو سياسي في القطاع. وقد لا يكون هناك فرق في الأسلوب والشكل بين التظاهرات كل يوم جمعة على الحدود وتظاهرات الانتفاضة الأولى في ميدان الشهداء قبالة مستوطنة نتساريم، حيث استشهد الطفل محمد الدرة. ولكن المسألة تتجاوز الشكل بين المطالب في الانتفاضة الأولى التي هي مطالب الكل الفلسطيني، بينما المطالب المرفوعة اليوم على الحدود هي  مطالب الجزء الفلسطيني، على وجه التحديد مطالب غزة.

ولو كنت قادراً على الهمس في اذن قيادة هذه المسيرات التي هي بالحق جماعية او ما يسمى الهيئة العليا لمسيرات العودة وفك الحصار، لقلت لهم : حذار من استنفاذ طاقة الناس في هذه التراتبية او الجدول الزمني الأسبوعي لحشد الناس، ما يؤدي الى سقوط عدد من الجرحى احياناً واحياناً اخرى شهداء. وانه في غضون هذه الفترة الانتخابية داخل إسرائيل نفسها أي العدو الذي نقوم بالضغط عليه سلمياً، فانه ليس هو الوقت الملائم لكي نضمن جدوى العمل وانتزاع المطالب المطروحة من هذا العدو الغارق في المزايدات الحزبية.

وبالطبع ربما تفسر هذه الدعوة على انها تخدم حملة نتنياهو الانتخابية اذا كان من مصلحته ان لا يحدث تصعيد من قبل غزة، يفسد عليه ما يعتقد على نطاق واسع في إسرائيل بشأن حظوظه في هذه الانتخابات، حيث تشير الاستطلاعات الى استقرار شعبيته الانتخابية، حتى وان بدا منافسه بني غانتس كما لو انه يحلق في السماء او يطير.

والمشكلة الأخرى التي ترافق تقييمنا بعد سنة لهذه المسيرات هو في غياب، ولنكن صريحين، رام الله عن هذا الحدث الاستراتيجي الكبير، ولكن الذي سيظل بسبب هذا الغياب او عدم الإجماع جهداً مهماً ولكنه جزئي او مناطقي او محلي لا يرقى الى ان يكون نشيداً جماعياً. وهذا ما يفسر ان التهدئة بحسب شروط الفصائل الفلسطينية في غزة وضعت في وقت محدد قبالة ما يسمى بالمصالحة الوطنية، وان «حماس» ومع الفصائل الأخرى في غزة كانت اكثر ميلاً لإتمام شروط التهدئة مع اسرائيل. وبالمقابل فان الرئيس ابو مازن والسلطة كانوا يقولون بالمصالحة اولاً ورفض أي تهدئة لا يكونون طرفاً فيها او ممثلاً لها.

وواقع الحال لا التهدئة تمت كما كان يأمل المواطنون في غزة، الذين قيل لهم في وقت سابق انه يمكن تحويل غزة الى سنغافورة بمطار وميناء، أي تصبح غزة هي الدولة الفلسطينية العتيدة، ولا المصالحة تمت، بل ازداد الوضع الداخلي الفلسطيني تأزماً. ولا يمكن الان انتظار أي تحول في تنفيذ ما اتفق عليه مع حكومة نتنياهو قبل ظهور نتائج الانتخابات العامة في اسرائيل، بل على العكس فان نتنياهو ومجموعة المتطرفين والمزايدين في الانتخابات قد يكون مستعدا للذهاب بعيدا للرد على أي خطأ في الحسابات الغزية، وهو ما يجب التحذير منه في هذه الفترة الحساسة، لأنه لا يجب ان يكون الدم الفلسطيني ثمناً للمزايدات الإسرائيلية ضد بعضهم. وهذا هو الوضع الذي تقف امامه مسيرات العودة الآن.

وواقع الحال يثبت مرة أُخرى ان العقدة الغزية ليس لها حل، وهذا كان واضحا منذ ثمانينات القرن الماضي حينما اقترح بيريس سراً إعطاءها الى الأردن بعد تحويلها الى ميناء، وهو ما كان واضحاً عندما قال رابين عبارته الشهيرة : «لو أنني أصحو من النوم لأرى غزة وقد غرقت في البحر» ، مع ان الرجل قال عبارة شهيرة أُخرى «ان انتفاضة الفلسطينيين عام 1987 هي تعبير عن بطولة الفلسطينيين وكرامتهم»، تماماً كما ان مسيرات العودة هي تعبير عن كرامة الفلسطينيين وبطولتهم.

وقد يبدو لحماس والفصائل في غزة انها تستطيع الرد بالمثل على اعتداءات إسرائيل، وان تفاخر بذلك وفق الشعار الذي يقول «ان القصف بالقصف والدم بالدم». ولكني ارى ان مسيرات العودة السلمية تماماً كانت تعبيراً بالأخير عن مأزق هذه القدرة الفلسطينية في مواجهة كثافة النيران الإسرائيلية بنيران فلسطينية مقابلة، بل ان الفصائل الفلسطينية و»حماس» تعلمت في غضون السنوات الأخيرة كيف تدير هذا الحصار العسكري الحربي والسلمي بقدر واضح من الحكمة والبراغماتية والذكاء. وفي المحصلة فان المشكلة التي يواجهها الفلسطينيون في صراعهم المتطاول مع إسرائيل ليس في قلة الحيلة او فقدان التنوع في الوسائل، بل في حقيقة انهم لا يواجهون إسرائيل ولكن يواجهون الولايات المتحدة الأميركية التي هي العدو الرئيسي.

عن صحيفة الأيام 

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز"

اخبار ذات صلة