بقلم / خالد صادق
تبدأ اليوم الاثنين عشرة وفود فلسطينية جولة حوار ينظمها معهد الاستشراق الروسي التابع لوزارة الخارجية الروسية، لبحث مستجدات القضية الفلسطينية وملف المصالحة الوطنية, وذلك لاستطلاع الرؤى الإستراتيجية للفصائل في محاولة لتقريب وجهات النظر خاصةً على الصعيد الداخلي, وذلك في ظل الأوضاع الصعبة التي تمر بها القضية الفلسطينية على الصعيد الداخلي من خلال محاولة تعزيز فرص المصالحة الفلسطينية, وسبل التصدي للتغول الصهيوني على المواطنين الفلسطينيين العزل المشاركين في مسيرات العودة الكبرى, والتي أسفرت الجمعة الماضي عن استشهاد طفلين فلسطينيين, ووقوع عشرات الإصابات بين المشاركين السلميين, والتغول ضد شعبنا في القدس المحتلة والضفة والثمانية والأربعين, سواء بفرض القوانين العنصرية أو بانتهاك حرمة المقدسات الإسلامية والمسيحية, وتعاظم سياسة التهويد والتهجير وهدم البيوت ومصادرة الأراضي, واستهداف الفلسطينيين وقتلهم على الحواجز العسكرية وفي الطرقات لمجرد الشبهة.
روسيا اعتادت في الآونة الأخيرة ان تلتقي بوفود فلسطينية, حيث التقت العام الماضي بوفد حركة حماس ثلاث مرات, كما التقت بوفد من حركة الجهاد الإسلامي في فلسطين, ووفد من الجبهة الشعبية وفصائل أخرى, وعلى ما يبدو ان روسيا تريد ان تستعيد عافيتها ونفوذها في منطقة الشرق الأوسط, ولا تترك الساحة للإدارة الأمريكية كي تعمل بها منفردة, خاصة بعد التطورات السياسية التي تشهدها المنطقة العربية, وتغيير سياسات بعض الدول في التعامل مع الإدارة الأمريكية, وتوجهها نحو موسكو والصين ودول أوروبية أخرى للبحث عن حلفاء جدد بعيدا عن الإدارة الأمريكية التي تريد ان تفرض سياستها على الجميع وفق رؤيتها ومصالحها الخاصة, وتتعامل بمنطق ادفع من أجل حمايتك, فلا تحالفات مجانية معها, ولا خدمات بدون مقابل, انه منطق ترامب والإدارة الأمريكية القائم على قانون القوة وشريعة الغاب, والذي ينصب نفسه وصيا على هذا العالم, والذي اخذ على عاتقه حماية «إسرائيل» وفك عزلتها, ودمجها في محيطها العربي والإسلامي.
روسيا تريد ان تستعيد دورها في المنطقة بعد ان توصلت لعدة حقائق هددت مصالحها بشكل مباشر, فظهرت وكأنها دولة ضعيفة تقع تحت التبعية الأمريكية وهى إلى وقت قريب كانت القطب الثاني للعالم. فالحقيقة تقول ان صفقة القرن التي وضعتها الإدارة الأمريكية وتمهد لإعلانها, تهدف للهيمنة على المنطقة الشرق أوسطية, وبناء تحالفات جديدة لصالح الأمريكان, وتعزيز التواجد العسكري الأمريكي في المنطقة, والتحكم في سياسات الدول وأمنها واقتصادها, فكان لا بد لروسيا ان تكبح جماح الأمريكان, وتدخل إلى حلبة الصراع من خلال القضية الفلسطينية نظرا لأهميتها ومركزيتها, ولأن روسيا تتمتع بعلاقة جيدة مع السلطة والفصائل الفلسطينية, وهى تريد ان تدلي بدلوها في سياسة السلطة وتوجهها, وتحتاج إلى توحيد الساحة الفلسطينية داخليا, حتى تغير من الواقع الصعب الذي تمر به القضية الفلسطينية.
كل الدلائل تشير إلى ان العالم لن يقبل ان يديره القطب الواحد «الأمريكان», فسياسة الإدارة الأمريكية التي يقودها دونالد ترامب أحرجت الدول العظمى ودول العالم الحر أمام شعوبها, فالصين دولة عظمى ولها سياساتها التي تخدم مصالحها الاقتصادية, وكذلك روسيا والمانبا وبريطانيا وفرنسا واليابان وغيرهم من دول العالم, وقد بدأت حلقات التباين بين الإدارة الأمريكية وهذه الدول تتسع وتكبر بعد ان شعرت بتهديد الأمريكان لمصالحهم الاقتصادية, وبالتالي العالم متجه الآن لتحالفات جديدة, خاصة في منطقة الشرق الأوسط, التي تشهد دائما متغيرات وقضايا ساخنة, تحالفات تتجاوز العلاقات والتبعيات للأمريكان, لذلك حرصت روسيا على ان تقود العالم في الفترة المقبلة للخلاص من جحيم الأمريكان, ولأن الروس كان لهم دور كبير سابقا في دعم منظمة التحرير الفلسطينية, وتبني مواقفها السياسة, فقد أرادت روسيا ان تعود للقضية الفلسطينية وتستعيد دورها, فالأوضاع مهيئة تماماً لخدمة الموقف الروسي وتقبله من العديد من الدول, التي رأت في أمريكا خصما ينهش فيها ويستنزف من طاقتها وقدراتها بفضل سياسة ترامب العنجهية.
نحن لا نتوقع من حوار موسكو بين الفصائل ان يحقق اختراقا نوعيا في ملف المصالحة الفلسطينية, لكنه على الأقل قد يفتح طرقا جديدة للحوار, نستطيع من خلالها كفلسطينيين الاستماع إلى بعضنا البعض بعيدا عن التشنجات والمواقف الشائكة التي تصيب شعبنا باليأس والإحباط, افسحوا المجال لعقولكم لتقودكم للخيار الاصوب بعيدا عن أية مواقف مسبقة مبنية على سوء النية والتشكك بالآخرين, شعبنا يحتاج إلى وحدتنا وتلاحمنا ليبني عليها رحلة نضاله وتضحياته, فهي الثمن الحقيقي لكل هذه الدماء التي تنزف لأجل فلسطين.