بقلم / خالد صادق
سؤال يدور في الأذهان ويحتاج لإجابة شافية وصريحة, من الذي جرأ «إسرائيل» على اتخاذ قرار بقطع 138 مليون دولار من قيمة أموال المقاصة التي من المفترض ان تتسلمها السلطة الفلسطينية من عائدات الضرائب بذريعة أنها أموال تقدم للشهداء والأسرى الفلسطينيين, أي أنها توجه لجهات «إرهابية» أو تدعم «الإرهاب» حسب المصادر الصهيونية, أطراف كثيرة ومواقف عدة جرأت الاحتلال على هذا القرار العنجهي الذي يدل على عقلية الحكومة الصهيونية في التعامل مع السلطة الفلسطينية, والتنكر لكل التزاماتها تجاهها, فقد خدعوها عندما قالوا أننا سنحول أراضي السلطة إلى سنغافورة, وسنحل كل المشكلات الاقتصادية للفلسطينيين, وها هم يدفعون الاقتصاد الفلسطيني إلى الهاوية, ويشغلوننا بمشاكل حياتية ومعيشية, بعيدا عن مشاكلنا السياسية ومطالبنا المشروعة بالحرية والاستقلال والعيش الكريم, والحقيقة ان هناك عوامل داخلية وخارجية ساعدت «إسرائيل» على تنفيذ مخططها الاقتصادي الهادف إلى تجويع الشعب الفلسطيني والبحث عن لقمة العيش.
من العوامل الداخلية التي استغلها الاحتلال الصهيوني لتمرير مخطط تدمير الاقتصاد الفلسطيني:
أ/ استغلال حالة الانقسام وتباين المواقف الذي أدى إلى فرض عقوبات اقتصادية كبيرة من السلطة الفلسطينية على قطاع غزة, مما اوجد حالة من التراشق الإعلامي بين حماس وفصائل أخرى والسلطة وحركة فتح.
ب/ جرأة السلطة على قطع رواتب الموظفين, ورواتب الشهداء والأسرى في قطاع غزة, دفع الاحتلال للإقدام على نفس الخطوة بقطع كل الأموال التي تقدمها السلطة للشهداء والأسرى, بعد ان وجد ما يبرر خطوته هذه.
ج/ عدم وجود وزارة للأسرى تتبنى قضاياهم وتدافع عن حقوقهم في المؤسسات الدولية, وتتواصل مع العالم الخارجي لفضح ممارسات الاحتلال تجاه الأسرى والشهداء, وتطالب بمحاسبته على جرائمه بحقهم.
أما العوامل الخارجية فهي كثيرة ومتعددة نذكر بعضها باختصار شديد في هذه النقاط الثلاث
أ/ الجرأة التي اكتسبتها «إسرائيل» في ضرب الشعب الفلسطيني ممثلا بالسلطة جاءت بتشجيع من الإدارة الأمريكية التي أوقفت الدعم المالي عن السلطة الفلسطينية وأغلقت مكاتبها وحرضت العالم عليها.
ب/ عدم قدرة السلطة الفلسطينية على الرد على خطوات الاحتلال الصهيوني, سواء بحملة دبلوماسية عالمية, أو من خلال ملاحقة قادة الاحتلال في المحاكم الدولية, أو من خلال تجنيد دول العالم ضد سياسة «إسرائيل».
ج/ ان الدول العربية لم تعد قادرة على مواجهة سياسات «إسرائيل», وهى غير قادرة على تعويض العجز المالي الذي تعاني منه السلطة خوفا من الإدارة الأمريكية و»إسرائيل» وبالتالي مثل هذه الخطوات كفيلة حسب تقديرات الاحتلال لإرغام السلطة على تنفيذ السياسات التي تمليها «إسرائيل», خاصة ان السلطة لا تملك أية أوراق ضغط على الاحتلال الصهيوني, بعد ان اختارت «السلام» كطريق وحيد لمواجهة الاحتلال وسياساته.
الاحتلال يسعى دائما إلى تقزيم السلطة ووضعها في الزاوية لكي تبقى في حالة دفاع عن النفس وتستنجد بالآخرين, وللأسف الشديد ان السلطة هي من سمح للاحتلال بذلك, ولا يكفي تهديد السلطة بحل نفسها لاجبار الاحتلال على التراجع عن خطواته بحقها, يجب على السلطة ان تملك أوراق ضغط بيدها كي يتعامل معها الاحتلال ويعيد إليها حقوقها, وأول هذه الخطوات تتطلب التوافق الداخلي الفلسطيني وتعدد خيارات المواجهة مع الاحتلال, وإعادة هيكلة المؤسسات الفلسطينية على قاعدة الشراكة الوطنية, والتوافق على برنامج وطني يحكم العلاقة بين الفصائل الفلسطينية في كل المجالات.
ان إعادة أموال المقاصة التي اقتنصها الاحتلال من أموال الضرائب الفلسطينية يحتاج إلى قرار جريء من السلطة الفلسطينية بالانسحاب من مسار التسوية الذي يتحكم به الاحتلال ويريد ان يفرضه على الفلسطينيين, ان جرأة الاحتلال على السطو على الحقوق الفلسطينية وصلت لذروتها, وان لم تتدارك السلطة هذا الموقف فستدفع أثماناً أخرى باهظة جدا في المستقبل القريب.