قائمة الموقع

طلقتان في الرأس الجميل.. طلقتان في القلب الجيّاش!

2019-03-12T09:44:00+02:00
حسن البطل

بقلم: حسن البطل

في منتصف ثمانينيات القرن المنصرم، اغتيل في أثينا رفيق أخي وصديقي، خالد نزال، القيادي في الجبهة الديمقراطية. آنذاك، كتبتُ عموداً في «فلسطين الثورة» ـ قبرص، كان عنوانه أعلاه.

لماذا تذكرت العنوان، على كثرة عناوين أعمدتي عن اغتيال ورحيل شهداء عسكريين ومثقفين؟ لأن زوجته حبيبته ريما نزال، ذكرت عنوان مقالتي في حفل تأبين المناضل والصديق خالد بدمشق.

إلى آذار من عامنا الجاري، حيث زرتُ معرض «اغتيال» في متحف عرفات، عن 15 مثقفاً رحلوا وجميعهم في عقدي السبعينيات والثمانينيات من القرن المنصرم، خمسة منهم دبلوماسيون في عواصم أوروبية غربية؛ وأربعة آخرون عملوا وكتبوا في «فلسطين الثورة».

التحقق من القتل يكون بطلقة في الرأس؛ أو التحقق من الموت يكون بطلقة في القلب، واغتيل خالد نزال بأربع طلقات رصاص: اثنتين في الرأس الجميل، واثنتين في القلب الجيّاش.

على جدران قاعة معرض الاغتيال، تولّى 15 فنّاناً تشكيلياً رسم 15 لوحة فنّية، مختلفة الأساليب، لكن في منتصف صالة العرض بضعة صناديق زجاج تحوي أشياء من مقتنيات وحاجيات أصحاب الصور المعلّقة على الجدران.

استوقفني منها صندوقان، يحوي الأول كاميرا سينمائية «مخردقة» بالرصاص، تعود إلى الشهيد هاني جوهرية رئيس قسم السينما ـ الإعلام الموحد؛ والثانية بطاقة هوية صحافية تعود إلى الشهيد حنا مقبل وعليها أثر رصاصات، أصابت القلب، كما أصابت رصاصات قتلت جوهرية في الرأس: القلب الجيّاش، والرأس الجميل. أقول هذا عن معرفة بخالد، وهاني، وحنّا.

في معرض «اغتيال Assassination»، تذكرت معرض «مائة شهيد، مائة حياة» مطلع الانتفاضة الثانية، وأنجزه التشكيلي الراحل سمير سلامة بالتعاون مع الدكتورة عادلة العايدي هنيّة، يخلو من الصور، ولا يخلو من صناديق زجاجية تحوي بعض أشيائهم «تتطاير في فضاء الذاكرة» كما عنوتُ عموداً في «الأيام» عن ذاك المعرض.

المعرض في متحف عرفات، وهو الخامس، يحوي سيرة موجزة، بالعربية والإنكليزية، عن الـ 15 مثقفاً وسفيراً مثقفاً، مع عنوان الاغتيال بالإنكليزية والفرنسية، وهو بهاتين اللغتين الأخيرتين مشتق من «السفّاحين» أو «الحشّاشين» من جنود حسن الصباح، قائد القتلة الإسماعيلي المذهب، و»قلعة الحشّاشين» أو «قلعة الموت»، وهي صورة أرضية دنيوية عن جنّات الآخرة.

بعض المثقفين يرون أن هناك تحويراً لكلمة السفّاحين ـ الحشّاشين، وأنها تعني «الأساسيين» من أتباع العودة إلى الأساس الديني الإسلامي الأول، كما في كلمة «الجهاديين» المطروقة حالياً عن الإرهاب الديني والطائفي.

15 رسمة بورتريه للشهداء أنجزها 15 فنّاناً تشكيلياً، لكن صورهم الفوتوغرافية مجموعة وبعضها صور متحركة (فيديو) ناطقة بالعربية أو بلغات دول اغتيلوا فيها. لماذا في حقبتي السبعينيات والثمانينيات من القرن المنصرم؟ ولماذا من بينهم خمسة سفراء في دول أوروبية غربية (روما، باريس، بلجيكا، البرتغال)؟ هل كان هذا ردا من رجال «الموساد» على عملية ميونيخ، أم بالأحرى كان رداً على اعتراف تلك الدول بمنظمة التحرير، ونشاطهم السياسي ـ الثقافي المؤثّر، وصداقتهم مع رجال الفكر في عواصم الاغتيال؟

يُقال «القتلة أكثر من الرصاص»، والعرض عن الذين اغتالهم «الموساد» أو عملاء الأنظمة العربية وإسرائيل أيضاً، علماً أن «الموساد» اغتال اثنين: غسان كنفاني، وماجد أبو شرار بالمتفجرات، وواحد منهم هو حنا ميخائيل، اختفى مركبه وتسعة من كوادر «فتح» في رحلة بحرية غامضة من بيروت إلى طرابلس ـ لبنان.

علمتُ من محمد حلايقة، مدير المعارض في متحف عرفات، أن هذا المعرض الخامس (حتى تموز المقبل) زاره زهاء مائة ألف، معظمهم أجانب، علماً أن كلّ معرض يستمر ستة شهور، كما هو الحال في المتحف الفلسطيني في بيرزيت.

تبقى في متحف عرفات رسمة بانورامية أنجزها الفنان حسني رضوان عن الشهداء والراحلين القادة من الفلسطينيين، الفصائليين وما قبل الثورة المعاصرة، تتوسطها صورة ياسر عرفات.

ما لا يتعلمه تلاميذ فلسطين من الكتب يرونه في متحف عرفات: صورا، وثائق، أفلاما، خرائط، منذ بداية المشروع الصهيوني في بلادنا.. وحتى الوقت الراهن!

للقائد العام والرئيس المؤسّس متحفه؛ وللشاعر القومي متحفه، وللبندقية أن تواكب القلم والفكر؛ وللفن أن يواكب التاريخ والتراث وشهداء النضال.. وتفهمون لماذا تتكفّل السلطة والمنظمة بعوائل الشهداء والأسرى، كما لا تفعل أي حركة تحرر وطني.

«رحلوا وما برحوا» عنوان أحد مجموعة كتبي الرباعية عن الشهداء والراحلين.. وسألت مرة الشهيد عز الدين القلق: ألا تخاف؟ قال: كل ثلاث خطوات ألتفت خلفي!

.. الآن، صرنا لا نخاف بل نُخِيف!

عن صحيفة الأيام

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز"

اخبار ذات صلة