قائمة الموقع

خطايا سياسية في تصريحات الرئيس عباس!

2019-03-24T08:37:00+02:00
حسن عصفور

بقلم / حسن عصفور

يبدو أن الغالبية الشعبية – السياسية لم تعد تقف كثيرا أمام تصريحات الرئيس محمود عباس، اعتقادا بأنها تكرار، وغالبا ممل، لما قاله سابقا، ولذا ترى انه لا ضرورة لإضاعة الوقت الذي بات مضطربا جدا، وبه من الأحداث التي تستحق أكثر.

ولكن، رغم التكرار الملل، هناك ما هو "جديد سياسي" في التصريحات الأخيرة للرئيس محمود عباس، خلال لقاء مع طلبة من جامعة هارفارد يوم 23 مارس 2019، نشرته وكالته الرسمية (وفا)، خصص لهم وقتا يمكن اعتباره أضعاف ما يمنحه لاجتماع اللجنة التنفيذية، التي بات يتجاهلها كليا، كونها لم تعد بذي صلة أو أثر في تطورات المشهد العام، وسلم امرها لتغريدات أمين سرها عريقات.

حاول عباس، جاهدا أن يبرز كم انه رجل "سلام" وليس إرهابيا، وكأنه يستعد تخوفا من اتهام لاحق، فاختار طلبة أمريكان ليظهر "سلميته"، وجسد القول بالتأكيد "نحن نريد الوصول إلى حقنا ودولتنا بالطرق السلمية، أي بالمفاوضات، ولن نختار طريقاً أخر للوصول إلى حقنا، إلا من خلال المفاوضات..."، وهذا الموقف لا يناقض راي الشعب الفلسطيني الذي يخرج في الضفة والقدس وقطاع غزة في مسيرات شعبية فقط، بل تحقيرا لكل قرارات "الرسمية الفلسطينية" التي هو رئيسها، وخاصة قرارات المجلس "الوطني" الأخير في رام الله، وكذا "المركزي" الذي أكدت نهاية "المسار التفاوضي" والعمل على تعزيز دور المقاومة الشعبية.

الرئيس عباس، عندما يقرر ان لا خيار له سوى المفاوضات، فهو بذلك يستخف كليا بكل الخيارات الأخرى، وكان له أن يرفض الخيار العسكري، لكنه لا يملك مطلقا رفض خيار المقاومة الشعبية...فتلك إهانة لكل من يسقط شهيدا، جريحا او اسيرا في مسيرات رفض الاحتلال، وبحثا عن كرامة وطنية.

وضمن سياق المنهج غير المسؤول، والمستهتر بقرارات "الشرعية الرسمية"، أعاد عباس طلبه بأن تتولى قوات حلف الناتو "أمن الدولة الفلسطينية"، كلام يكشف كم أنه لا يقيم وزنا لأي بعد وطني استقلالي، وان حالة الاستعباد باتت جزء من التفكير الذي يسيطر عليه، ويتجاهل أن لدولة فلسطين سيكون مؤسسات هي من يقرر وليس ذاته.

وبعيدا، عما تناوله بخصوص المقاصة، التي يتحمل هو شخصيا مسؤولية نتائجها، برفضه أموال هي حق وليست منحة أو هدية لترفض، وما ستتركه من أثر على الفلسطينيين، فما قاله عن قطاع غزة امام طلبة يكشف كم هو خارج المتابعة السياسية، وفقد كثيرا من تركيزه، ظهر وكأنه يقدم تقريرا سياسيا لهيئة محاسبة أو جهة رقابية...

ولكن، ما جاء "في تقريره" حول القدس يمثل انحدارا سياسيا خطيرا جدا عن الموقف الرسمي الفلسطيني، بكل مكوناته، فما أشار له بداية عملية للتجاوب مع المخطط الأمريكي والمشروع التهويدي في القدس.

عباس قال ضمن ما قال: "... بالنسبة للقدس الشرقية نقول عاصمة لدولة فلسطين، القدس الغربية عاصمة لإسرائيل، وبينهما نوع من التعاون، أما الأماكن المقدسة فتبقى مفتوحة لجميع أتباع الديانات السماوية الثلاث في كل وقت، ولا يجوز منع أي إنسان، مسيحي مسلم يهودي، من الذهاب للقيام بشعائره الدينية".

لندقق جيدا أمام تلك الأقوال، والتي ستبدو انها "ثورية جدا" بالتمسك بالقدس الشرقية عاصمة لفلسطين، ولكن الحقيقة أنها المرة الأولى أن يخرج مسؤول فلسطيني وليس رئيسا، بالتأكيد على أن القدس الغربية عاصمة لدولة إسرائيل، فهو بذلك "شرعن" عملية الضم الإسرائيلي لها، متجاوزا قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وحتى اتفاق أوسلو، الذي تحدث عن التفاوض حول مستقبل "القدس" دون تقسيم، وذلك التزاما بقرارات الشرعية الدولية.

عباس بهذا التصريح، منح مسبقا كل مواقف تتعامل مع القدس الغربية عاصمة لإسرائيل "منطق ما"، وهو ما يمثل هدية سياسية كبرى للمشروع التهويدي.

الحديث عن "التعاون بين القسمين" يمنحها وضع خاص خارج الاتفاق العام المفترض، وهو بذلك يستبدل ذاته بالمؤسسة التي هي من عليها أن يقرر شكل العلاقات مع الكيان لو ان دولة فلسطينية قد شهدت النور، موقف يكشف ان المؤسسة والدستور لم يعد لهما حضور مطلقا في ثقافة الرئيس عباس.

ونأتي الى "أم الكوارث" السياسية، التي يكررها الرئيس عباس بمناسبة وبدونها، عندما يتحدث عن أن" ...الأماكن المقدسة فتبقى مفتوحة لجميع أتباع الديانات السماوية الثلاث في كل وقت، ولا يجوز منع أي إنسان، مسيحي مسلم يهودي، من الذهاب للقيام بشعائره الدينية".

كلام يمنح اليهود ساحة البراق وحائطها بأنه "مكان مقدس لهم" وهو ما يدعون "حائط الهيكل"، وهنا اعتراف تأكيدي بحق لليهود في الساحة والحائط، وعندها أي منطق سيقول أن هذا المكان المقدس لليهود ليس حقا لهم! تصريحات تكشف جوهر الموقف بأن "تهويد البراق" ليس هو المشكلة، بل من يديرها...وهنا ستكون الغالبية العظمى عالميا مع المطلب الإسرائيلي بحقهم في إدارة "مقدسهم الديني" من أجل تطويره وتحسين خدماته والعمل على صيانته وحمايته من أي خطر يتهدده...

كلام يقود الى " تهويد البراق"، وهذا الموقف تحديدا كان المفجر الأساسي لمفاوضات كمب ديفيد عندما رفض الشهيد الخالد ياسر عرفات "الموقفين الأمريكي والإسرائيلي"، لأسباب كرر شرحها مرارا وتكرارا...وها هو عباس يقدمها "هدية مجانية" وهو جالس في المقاطعة أمام عدد من الطلبة الأمريكان.

أقوال عباس في زمن طبيعي تفجر "ثورة غضب سياسي" لن تبقيه يوما مضافا في مقره، ولكن في زمن النكبة تصبح بلا أي اهتمام، وتمر كأنها ""مواقف ثورية جدا"، ربما تستحق ثورة شعبية لتأييدها...أنه العار السياسي لا أكثر!

ملاحظة: ملفت للانتباه أن يكرر وزير أول حكومة فتح وعباس القادمة، أنها ستكون "حكومة الكل الفلسطيني"، يبدو أن تعبير "الكل الفلسطيني" بات محصورا على "ولاية المقاطعة الكبرى" لا أكثر!

تنويه خاص: حسنا فعل الرئيس عباس أن اتصل بأسرة الشهيد المناصرة معزيا، لكنه تجاهل الاتصال بإسر "شهداء نابلس الثلاثة"، معقول أنه نسي بحكم السن، أو انه لا يستطيع أن يواسي أربع عائلات في يوم واحد، ام أن هناك شهيد وهناك ما هو ليس وفقا للنظرية "السلامية العباسية"!

اخبار ذات صلة