بقلم: صادق الشافعي
تفرض الأحداث في الجزائر والسودان نفسها بقوة وتشد الاهتمام وتفرض المتابعة. أساس ذلك ومبعثه مشتركات تجمع بينهما:
المشترك الأول، أن الطابع الجوهري والطاغي للحركة فيهما هو طابع ومحتوى جماهيري. والثاني، أن هذا المحتوى سلمي تماماً وبامتياز. والثالث ان الحركة الجماهيرية تتواصل وتتسع وتنتشر وتبقى متمسكة بإصرار وعزيمة على فرض إرادتها وتحقيق مطالبها وأهمها وعلى رأسها الإصرار على إنهاء النظام القائم وفرض نظام بديل على أسس مدنية شعبية وديمقراطية.
المشترك الرابع بين الحدثين ان الجماهير بادرت إليهما بإحساس عميق بالمسؤولية الوطنية، وأن ذلك حصل بعفوية ودون وجود مؤثر ومحرك مسبق لقوى وأحزاب او تشكيلات سياسية جامعة. وحتى مع انخراط بعض القوى والأحزاب السياسية والمجتمعية في الحركة الجماهيرية وأية تشكيلات أوجدتها الحركة نفسها خلال مسيرتها، فقد جاء دخولها لاحقاً لانطلاقة الحركة الجماهيرية ومتبنياً لمطالبها وملتحقاً بها، وقابلاً باستمرار قيادة الحدث وفعالياته ومواقفه بيد حركة الجماهير.
هذا المشترك الرابع، هو واحد من المواريث المرّة عن أهل الحكم الذين تقوم الأحداث لإزاحتهم وتخليص البلاد منهم ومن نظامهم.
فبالإضافة الى إرثهم من التسلط الممتد لسنين طوال وثقال على حكم البلاد ونهبهم خيراتها وتبديدها وإفقارها وقمعهم للحريات فيها، وإرثهم في تراجع وضع البلاد على كل الأصعدة، وإرثهم في قمع الناس وإفقارهم و... و.. إضافة الى ذلك وغيره، هناك إرثهم في خنق وإجهاض أو التضييق الخانق على اي حركة او دور للجماهير ومنعها بقوة القمع والملاحقة من تنظيم نفسها في أحزاب او جبهات ائتلافية او نقابات واتحادات شعبية او اي تشكيلات مجتمعية ديموقراطية منظمة مستقلة وفاعلة. وبحيث يبقى في البلاد فقط حزب سلطتهم الحاكم وواجهات مجتمعية خالية من المضمون والفعل تدور حولهم.
يظهر ضرر هذا الموروث بشكل مضاعف عندما تصل الأحداث والحركة الجماهيرية المحركة لها الى خواتيمها عندما يحين موعد القطاف ووقت تقديم البدائل لما هو قائم ومتعفن، سواء في أهل الحكم ومؤسساته، او في البرمجيات والأهداف.
حينها تمس الحاجة الى حزب او ائتلاف جماهيري حقيقي له حضور و قبول جماهير، وقادر على امتلاك زمام القيادة والتوجيه والمبادرة.
اللهم الا اذا تنبهت الحركة الجماهيرية في مسار حركتها وفي عنفوان الحدث الى ضرورة تشكيل إطارها أو أطرها القيادية بإرادتها، ونجحت في ذلك فعلاً.
المشترك الخامس، أن جيش البلاد بجمهور منتسبيه من أهل الوطن ورتبه الأدنى والمتوسطة يجد نفسه بشكل طبيعي وتلقائي منحازاً الى جانب الجماهير وحركتها وأميل الى الدفاع عنها وحمايتها.
أما عندما يصل الأمر الى الرتب العالية والأعلى والى الأجهزة المتفرعة عن الجيش والمتخصصة بمهمات محددة - أمنية بالذات - فإن الحسابات تختلف وكذلك الانحيازات والمواقف. هنا يدخل حساب ضرورة وأولوية الحفاظ على النظام والحكم، او ربما تتقدم أولوية الانقضاض عليه ووراثته.
المشترك السادس، أن التدخل الخارجي في الحدثين إما معدوم تماماً او ضعيف وبعيد جداً. وهذا ما يبقي جوهر ومضمون الحركتين وطنياً خالصاً.
أما المشترك السابع، فهو موقع ودور الحركة الإسلامية وهي التسمية الإعلامية لحركة الإخوان المسلمين. وهنا يبدو الموقع الدور متعاكساً.
ففي حين ان الحركة الجماهيرية في السودان تقوم ضد وتسعى لإزالة النظام القائم الذي هو في حقيقته امتداد للحركة الإسلامية بشكل أساسي وانها صانعته وحاضنته، لذلك لا نسمع ولا نرى لهم دوراً في حركة الجماهير بما يبقي طابعها وطابع التشكيلات التي أفرزتها في مسارها، مدنياً بامتياز. بينما هم في الجزائر موجودون ضمن القوى المشاركة في الحركة الجماهيرية رغم ان حضورهم ودورهم، بغض النظر عن الاسم، يبقى ثانوياً، خصوصاً وان الحركة الجماهيرية لم تبلور هيئات وتشكيلات لها على غرار ما حصل في السودان.
ذلك لا يمنع محاولات للحركة للظهور والتميز، لكن النجاح في ذلك يبدو محدوداً، فالحركة الاسلامية لم تعد بقوة وحضور وتأثير سنوات تسعينات القرن الماضي.
في الحديث عن المشتركات لا يمكن تجاهل مشترك "شهوة الحكم والسلطة" لدى الحاكم الأول بالدرجة الأولى ولدى طاقم الحكم اللصيق به، سواء كان هذا الطاقم حزباً او مجموعة أهل الحكم، أو من ذوي المصالح المنتفعين والمستفيدين من الحكم.
وتصل شهوة الحكم لدى هؤلاء الى تعديل الدساتير، وأكثر من مرة اذا احتاج الأمر، لكي يبقى الحاكم الأول في الحكم لسنوات لا يقطعها وينهيها إلا قضاء الله أو حكم الشعب.
في هذا المشترك "شهوة الحكم والسلطة" يدخل الحدث الليبي بجدارة.
فهنا لا حركة جماهيرية، ولا قوى أو أحزاب او نقابات وخلافه، ولا مطالب محددة برحيل نظام مسيطر على البلاد، ولا تمسّك بحكم قائم وحاكم.
هنا تبدو شهوة الحكم والسلطة والصراع من اجل امتلاكها في أجلى صورها. وهنا تدخل خاصيتان تميزان الحدث الليبي وتزيدان تعقيده وربما دمويته: الخاصية الاولى هي، الاقتصادية المتعلقة بالثروة الكبيرة القادمة أساساً من الثروة النفطية وثروات أخرى والقتال للسيطرة عليها والتحكم بها.
والخاصية الثانية هي وجود العامل الخارجي المؤثر على الحدث وقواه ومساره، والمتمثل أساساً في تدخل اكثر من جهة خارجية حماية لمصالح لها أو طمعاً في بناء مصالح وفرض مشاركتها في اقتسام الكعكة.
حين تكون الحركة الجماهيرية عارمة المشاركة وواسعة الانتشار ومحددة المطالب وشديدة التمسك بها، وتكون سلمية، يكون التفاؤل واقعيا وعميقاً، ويدق الأمل باب التحقق.
صحيفة الأيام
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز"