د. هاني العقاد
مع اقتراب اعلان ادارة ترامب صفقته المشؤمة والتي اوضحت كل التصريحات انه سيعلن عن بعض بنودها بعد الانتخابات الاسرائيلية اي بحدود 15 يونيو حزيران وهو الذكري 71 للنكبة الفلسطينية , ومع استمرار ادارة ترامب المضي في سيناريو التخلص من كينونة ومصطلح الارض التي احتلتها اسرائيل عام 1967 بات مهما ان نعرف ان ادارة ترامب لن تقوي على تقديم حلول واقعية للصراع ولا اي حل يرتقي للمنطق او يكون مبنيا على اي اسس او مرجعيات لان الخطة المسماة " صفقة العصر او القرن لا تسعي سوي الى تثبيت الاحتلال الاسرائيلي وشرعنته بكل الطرق والوسائل المشروعة والغير مشروعه وجعله واقعا يقبله الفلسطينيين وغير الفلسطينيين تحت مزاعم امن اسرائيل . ولعل تقديم ترامب لخطته كان يعتمد بالدرجة الاولي علي مدي تنفيذ بعض مراحلها لان ترامب شخصيا يعتقد انه اذا اعلن عن خطته قبل ان تجتاز حواجز الاحباط والتطبيق فأن الخطة ستقابل مئات العقبات التي ستحطم عربتها التي يقودها فريق ترامب اليهودي في ذات الطريق الوعرة , فريق ترامب اتبع استراتيجية مختلفة مع العرب والفلسطينيين وبخلاف عن اي ادارة امريكية سابقة كانت تتحدث عن خطط للسلام بالشرق الاوسط وتطرح تفاصيلها وتناقشها مع الاطراف المختلفة عبر جولات مكثفة من المحادثات الثنائية ومن ثم يتم رفضها وتسقط , هنا اراد ترامب ان تقبل خطته بعد ان يتم تنفيذ اكثر من 70% منها ومن ثم يطرح الجزء الاهم والمرحلة التي تتعلق بحل الصراع الفلسطيني الاسرائيلي وهو الحل الاقتصادي لا اكثر من ذلك.
مهما فعل ترامب من تكتيكات الا ان خطته اقرب الى الفشل من النجاح لان مخاطر الطريق عادة تكمن في الربع الاخير , بالإضافة الى ان الخطة تفتقد الى الواقعية والمنطق والعدل والمساواة والنزاهة والحيادية ليس في شقها السياسي فقط وانما في الاقتصادي ايضا لانه بني على هيمنة القوة وفرض الاتاوات واجبار العالم دفع فاتورة تنفيذ هذه الصفقة , لا اعتقد ان مليارات الدولارات يمكن ان تصنع سلام وامن واستقرار بالإقليم ولا حتي بالعالم فمن يعتقد ان اي سلام اقتصادي يمكن ان يكون بديلا عن سلام سياسي يحقق فيه الفلسطينيين تطلعاتهم السياسية التي ناضل واستشهد واعتقل من اجلها مئات الالاف من الفلسطينيين والعرب فهو واهم وقارئ غبي للتاريخ . يعتقد ترامب انه سينجح في رسم خارطة المنطقة من جديد سياسيا واقتصاديا وجغرافيا ويجعل من الشق الاقتصادي عامل مسهل لتطبيق الخطة السياسية والتي لا تطال بلدا عربيا واحدا ولا تتعلق بالفلسطينيين وحدهم وانما كل خارطة المنطقة العربية المحيطة بإسرائيل ستتغير وما بات معروفا ان هناك تغيرات بالجغرافيا في مصر والاردن وسوريا والسعودية واسرائيل وهذه التغيرات لا اعتقد ان الشعوب ستقبلها بسهوله حتى لو بذل الحكام جهدا اضافيا لتغير العقيدة الشعبية لكل دولة تؤمن بقدسية الارض والشعب والجغرافيا.
السيد جيسون غرنبلات بات هذه الايام يقضي وقته مغرداً على تويتر في شرح وافي ومحاولات مستميتة لاقناع الفلسطينيين بقبول الصفقة بل وحتي مطالبتهم دراستها وعدم الحكم عليها مسبقا وقال مؤخرا ان " انه ان لم يستجيب الفلسطينيون والإسرائيليون للصفقة فسيكونان قد اضاعا على نفسيهما فرصة مهمة وخاصة الفلسطينيون " واضاف ان الفلسطينيون والاسرائيليون سيكونون موافقين على جزء من الصفقة وغير ارضين على جزء اخر " وطالب غرينبلات الفلسطينيين بعدم التسرع والحكم مسبقا على الصفقة وقال "كل ما يدور من تكهنات حول بنود الصفقة غير صحيح ولا تمت لها بصلة" . مهما كان هذا الرجل على صواب فان الصفقة ما هي الا حلول اقتصادية محضة للفلسطينيين وليس لدي الامريكان اي نية لإدراج حل الدولتين ضمن بنود هذه الصفقة او تقديم خطتهم فيما يتعلق بالصراع على اساس مبادرة السلام العربية 2002 وبالتالي فان الحل المتوقع والذي تطرحه الصفقة هو الحل الاقتصادي لكيان فلسطيني اقتصادي أكثر منه سياسي. مهما حاول غرينبلات وغيره من فريق صفقة القرن تجميل الصفقة وتقديم إغراءات للفلسطينيين فإنها لن تتعدي منح الفلسطينيين كيان سياسي مشوه لم ياتي من رحم الحلول الشرعية والقانونية مع صلاحيات اقتصادية كبيرة هذا الطرح لن يحقق الطموح السياسي لملايين الفلسطينيين بالانعتاق من الاحتلال الاسرائيلي سياسيا واقتصاديا وامنيا بل ان جل الصفقة بنيت على اساس بقاء الفلسطينيين تحت الوصاية الامنية الاسرائيلية وهم ليسوا اكثر من جسم اداري فلسطيني بصلاحيات حكم ذاتي موسع يستخدمه الاحتلال ليوفر الامن لتلك المستوطنات الي ستبقي في الضفة الغربية وتصبح جزأ من ارض اسرائيل بفعل الضم . اما غزة فحلها بات بين قوسيين "الكيان الاقتصادي الوليد" تشترك مع سيناء في منطقة اسواق حرة ومنطقة استثمارات وجزب اقتصادي دولي وعربي كبير وستتم ربطها مع الضفة الغربية عبر قناة توصيل ارضي او جسر بري يخضع لسيطرة امنية مشتركة من الفلسطينيين والأمريكيين والإسرائيليون وهنا فان الحل المتوقع طرحة للصراع ليس أكثر من كيان اقتصادي بلا حقوق سياسية وبلا سيطرة سياسية كاملة على الارض والبحر والهواء والمياه. انها الحلول المبتورة التي لن تحقق اي تقرير مصير حقيقي للفلسطينيين ولن يسعي من خلالها أحد لحل قضية اللاجئين التي ستحل على حساب التوطين في بعض الدول المضيفة او العودة لهذا الكيان الاقتصادي الجديد.