غزة

19°

وكالة شمس نيوز الإخبارية - Shms News || آخر أخبار فلسطين

شعرة معاوية أفضل من العداوة والانفصال

ابراهيم أبراش

بقلم: إبراهيم ابراش

يأخذ علينا البعض أننا متفائلون دائمًا بالرغم من المشهد السوداوي للوضع الفلسطيني، وأننا نبدو وسطيين أحيانًا في انتقادنا لطرفي المعادلة الفلسطينية –منظمة التحرير الفلسطينية وحماس- وتحبيذنا لعدم قطع شعرة معاوية ما بين حماس والمنظمة وما بين غزة والضفة وما بين الداخل والخارج، بالرغم من انتمائنا ودفاعنا عن المشروع الوطني.

لسنا هنا في وارد الدفاع عن موقفنا الشخصي، ولكن يهمنا توضيح طريقة مقاربتنا السياسية لبعض الأمور التي يختلط ويلتبس فهمها عند البعض، وهي مقاربة تستلهم التجربة التاريخية للشعوب ومبادئ المدرسة العقلانية في علم السياسة مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصية الحالة الفلسطينية، كما تنطلق من المصلحة الوطنية العامة والتي لا تتطابق دومًا مع المصالح الحزبية حتى وإن ادّعت الأحزاب أنها تعبر وتمثل المصلحة الوطنية .

1- بالنسبة للتفاؤل السياسي

كتَبنا وتحدثنا كثيرًا عن أن حالة التراجع وتراكم أزمات واستعصاءات القضية الوطنية لا يعود إلى نقص في عدالة القضية في مقابل عدالة المشروع الصهيوني، فهذا الأخير يمر بمفارقة أنه يعيش في أزهى مراحله من التفوق العسكري في مقابل أضعف مراحله من فقدان الشرعية وانكشافه عند الرأي العام العالمي، كما لا تعود إلى تقصير من الشعب واستسلامه للأمر الواقع، بل إلى خلل في أداء النخب الفلسطينية وانهيار النظام الإقليمي العربي ومتغيرات النظام الدولي واختلال في موازين القوى لصالح إسرائيل، وهذه كلها أمور واقعة ولا شك؛ ولكنها مؤقتة وليست قدرًا أو حتمية تاريخية، خصوصًا أن القضية الوطنية لا تخص الجيل الحالي لوحده بل مِلك للأجيال القادمة كما أن مصيرها غير مرتبط بالنخب السياسية الراهنة .

وعليه، فالمثقف أو رجل الدولة الذي يريد أن يشتغل بالسياسة من موقع المسؤولية الوطنية عليه أن يتعامل مع القضية الوطنية برؤية تاريخية استراتيجية لا أن ينهار ويستسلم أمام أحداث عابرة، وعليه أن يكون دومًا متفائلًا مبشرًا بغد أفضل، مقاوِمًا لحالة الإحباط واليأس، وألا يُخضع مقارباته الفكرية أو نهجه السياسي لحسابات المصلحة الشخصية أو الحزبية .

في هذا السياق تحضرني مقولة المفكر الإيطالي أنطونيو غرامشي (تشاؤم العقل وتفاؤل الإرادة) فإذا كان الواقع يدعو إلى اليأس وخصوصًا عند العامة فإن مسؤولية المثقفين والنخب الوطنية الواعية تبديد هذه الحالة بتوعية الشعب بأن الواقع حالة غير ثابتة، ومن هنا يأتي دور الإرادة في تغيير هذا الواقع، والإرادة متوفرة عند الشعب الفلسطيني وعند أحرار العالم .

2- أما بالنسبة لما تبدو أنها وسطية في الموقف 

بالرغم من أننا عبرنا، فكرًا وممارسة، عن انتمائنا الوطني إلى منظمة التحرير وللمشروع الوطني وهو انتماء يَحَتم علينا وعلى كل فلسطيني اتخاذ موقف معادٍ لإسرائيل ولكل من يؤيدها ويدعمها في سياساتها العدوانية ضد الشعب الفلسطيني وحقوق المشروعة؛ فإن الأمر يختلف نسبيا في الموقف من الخلافات الداخلية، فحركة حماس مثلًا لا تعتبر عدوًا لمنظمة التحرير بل خصمًا حتى وإن اشتدت خصومته وشارفت تخوم العداوة.

في حالة كالحالة الفلسطينية حيث الاحتلال يهدد الكل الوطني وحيث كلا طرفي المعادلة الفلسطينية – المنظمة وحركة حماس - في حالة هدنة والبحث عن تسويات سياسية مع إسرائيل، فإنه من الجريمة أن يدعو البعض إلى حرب أهلية أو اللجوء إلى السلاح في حسم الخصومات الداخلية .

نقول هذا مع معرفتنا بالدور الذي تلعبه حركة حماس خارج سياق المشروع الوطني وما ألحقته من خراب في الساحة الفلسطينية، وخصوصا بعد أن تورطت الحركة بالمشروع الإسلاموي العالمي الذي فشل على مستوى العالم العربي وأصبحت تتصرف بردود أفعال استفزازية وتمارس الهروب إلى الأمام، بالإضافة إلى دورها في تمرير مخطط فصل غزة .

بالرغم من كل ذلك، فإن المصلحة الوطنية من وجهة نظرنا تتطلب التعامل بعقلانية والبحث عن مخارج وحلول سياسية على قاعدة الالتقاء وسط الطريق ومبدأ لا غالب ولا مغلوب، حتى نجنب الشعب الانزلاق نحو حرب أهلية مع حركة حماس المدججة بالسلاح والمسنودة من شبه تحالف إقليمي ودولي بما فيه إسرائيل يريد استمرارها في حكم قطاع غزة ليس حبا بحركة حماس أو بالشعب الفلسطيني بل رغبة في تدمير المشروع الوطني وتكريس فصل غزة عن الضفة .

3- صعوبة إقصاء طرف للطرف الآخر

من الصعب في الوقت الراهن إقصاء طرف للطرف الآخر بالقوة، وليس من المصلحة الوطنية محاولة ذلك؛ فلا منظمة التحرير تستطيع الآن الإقصاء التام لحركة حماس من المشهد، ليس بسبب العوامل المُشار إليها أعلاه فقط بل أيضًا لأن حماس تمثل أيديولوجيا دينية ما زالت فاعلة في المجتمع ولها مؤيدين وأنصار داخل الوطن وخارجه يؤمنون بها وهؤلاء لا يمكن تجاوزهم بسهولة، أيضًا لا تستطيع حركة حماس إقصاء منظمة التحرير لأن لهذه الأخيرة تاريخها النضالي ويعترف بها الشعب وكل دول العالم بأنها تمثل الشعب الفلسطيني، ولأن حركة حماس فشلت في أن تكون البديل لا على مستوى البرنامج الوطني ولا على مستوى النهج والسلوك السياسي .

الطريقة الوحيدة لانتصار طرف على آخر لا تتأتى إلا من خلال صناديق الانتخابات، وحتى في هذه الحالة فالانتصار يُحسب للشعب عامة أكثر مما يُحسب للحزب الفائز .

4- الحفاظ على شعرة معاوية

لكل ما سبق فإننا أمام خيارين: إما الاستسلام للتشاؤم والإحباط والاستسلام لواقع الانقسام وفصل غزة عن الضفة وتجاهل أهلنا في الشتات وربما الانزلاق نحو حرب أهلية، أو رفض ذلك وتفعيل الإرادة الوطنية ونشر روح التفاؤل بالمستقبل والحفاظ على شعرة معاوية ما بين الطرفين، وخصوصا أننا نسمع أخيرا تصريحات من الطرفين تدعو إلى التفاؤل. أيضًا كيف تستقيم دعوة البعض وتحريضهم على قطع شعرة معاوية مع الخصم السياسي الداخلي فيما الطرفان يربطهما بإسرائيل (حبل من مَسَد).

وأخيرًا، هناك دومًا ما يمكن عمله للخروج من المطبات والمنعطفات المصيرية الصعبة، ومما يمكن عمله للحفاظ على ما هو أكثر وأمتن من شعرة معاوية في العلاقة ما بين غزة والضفة، وفي هذا السياق ندعو للتفكير جديًا بما طرحناه سابقًا وهو فلسطين دولة اتحادية، وهذا أفضل من الفصل النهائي ومن بقاء الأمور على حالها من علاقة عدائية بين كيانين فلسطينيين متعاديين، وربما كيان واحد في غزة تتصارع على حكمه كل القوى السياسية.

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز"

"جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز".