بقلم: رجب أبو سرية
التصعيد الإسرائيلي المتمثل بشن الحرب على قطاع غزة، بدءا منذ يوم السبت الماضي، في حقيقة الأمر يكشف عن محاولة إسرائيلية لحسم الصراع بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي والدائر منذ عقود وعلى أكثر من جبهة وصعيد، بشكل نهائي، مع أن هذا ليس بالضرورة أن يكون الدافع الوحيد لشن هذه الحرب، التي جاءت في الوقت الذي كانت فيه مصر تقوم بمتابعة حزمة التفاهمات التي توقفت بها الحكومة الإسرائيلية عند المرحلة الثانية من التنفيذ.
من الواضح أولا وقبل كل شيء، بأن الاستعصاء الذي وصله تنفيذ التفاهمات التي جاءت هي نفسها بعد مخاض عسير، لا بد له من فصل ساخن حتى يتم كسره، لكن هذا الفصل الساخن تم تأجيله من قبل رئيس الحكومة الإسرائيلية ووزير دفاعها بنيامين نتنياهو قبل نحو شهر أو أكثر بسبب إجراء الانتخابات النيابية الإسرائيلية، وحتى لا يفقد حظوظه في الفوز بتلك الانتخابات، لكنه في الوقت نفسه، يحرص جريا على التراث السياسي الإسرائيلي المتمثل بالتنصل من كل ما يعقد من اتفاقيات، ما كان له أن يقر سوى بالوعود، وإلا أن يوافق على اتفاقيات أو تفاهمات أو ما إلى ذلك دون أن يلتزم بتنفيذها لاحقا.
ورغم أن التفاهمات نفسها وافقت عليها «حماس» رغم عدم رضا الكل الوطني بل ومعظم الفصائل عليها، إلا أنها كانت تعلم بأن إسرائيل لن تلتزم بها، وأن كل ما تريد الحصول عليه، هو طي صفحة مسيرات العودة، لذا فقد كان الحرص على استمرار تلك المسيرات، وإن كان دون استخدام ما يسمى الوسائل الخشنة منها، وهكذا مرت مناسبة الانتخابات في ظل هدوء صمتت معه عقيرة مستوطني الغلاف، الذين كان من الواضح أنهم لن يصوتوا لنتنياهو.
بعد الانتخابات صار الأمر مختلفا، فهناك شروط لا بد من تحققها لإعلان صفقة القرن، كذلك هناك ائتلاف حكومي إسرائيلي متطرف وعنصري يتحفز للحم الفلسطيني الحي، ثم كان التعثر في تشكيل الحكومة الجديدة بعد أن برز الخلاف بين اليمين العلماني واليمين الديني حول قانون التجنيد، وفتح شهية شركاء «الليكود» في الظفر بغنائم الحكم، عاملا إضافيا أو سببا مباشرا للنيل من الدم الفلسطيني حتى يمر التشكيل الحكومي كما يريده بنيامين نتنياهو.
يريد نتنياهو أذاً، أن يقنع افيغدور ليبرمان بسياسته تجاه غزة، حتى يجبره على الشراكة في الحكومة، دون أن يضطر إلى تقديم المزيد من التنازلات أو حتى دون الفشل أو الاضطرار لخيارات تبدو مستحيلة من مثل الشراكة مع بيني غانتس أو الذهاب مجددا إلى صناديق الاقتراع.
ما يؤكد ذلك هو أن الحكومة الإسرائيلية، ظلت تقوم بذر الرماد في العيون ببث الأكاذيب حول عدم وجود نية لشن الحرب على غزة، لكن مياه الاتصالات مع الجانب المصري كذبتها، فرغم وجود قيادات مقررة من «حماس» و»الجهاد» في القاهرة لبحث مواصلة تنفيذ التفاهمات، إلا أن إسرائيل رفضت خلال الأيام التي تلت يوم السبت، الموافقة على وقف النار، ورغم أن غرفة العمليات المشتركة للمقاومة أبدت النضج والحرص الشديد على تجنيب القطاع للحرب الضروس، وذلك من خلال التدرج في عمليات الرد، إلا أن التصعيد الإسرائيلي المتواصل، باستهداف المدنيين والمباني، وبدءا باستهداف المتظاهرين المدنيين يوم الجمعة الماضي بالقتل المباشر، كشف بما لا يدع مجالا للشك بأن إسرائيل تخطط لحرب رابعة ــــ هذه الحرب قد تكون مختلفة عما سبقها، فقد تكون متقطعة وليست متصلة أو متواصلة ــــ تعرف فيها قدرة المقاومة الفلسطينية، لذا تريد أن تأخذها على حين غرة، بمحاولة خداعها بالكلام السياسي الفارغ.
أما ما يتعلق بعلاقة هذه الحرب بقرب الإعلان الرسمي عن صفقة العصر، فهو أن إسرائيل ومعها أميركا تدركان بأنه إزاء الرفض الفلسطيني وفي كل مستوياته للصفقة، ومع استحالة وجود شريك فلسطيني يتقاطع مع الصفقة التسوية المشبوهة، فإن الخطر الحقيقي على الصفقة يأتي من الرفض أو الصد الميداني الفلسطيني لها، والذي يمكن أن يحدث من خلال انفجار الوضع الميداني مع الإعلان، إن كان في الضفة الغربية أو غزة أو القدس وبالتالي في كل مكان بما في ذلك بعض العواصم والمدن العربية، خاصة في جوار فلسطين.
لذا فإن إسرائيل تريد أن تمهد الطريق، أو أن تعبدها من خلال تسوية الأوضاع الفلسطينية وفي مقدمتها مراكز القوة السياسية والميدانية، لتمرير الصفقة، أو على الأقل تمرير إعلانها، وحتى أن يكون الرد كما حدث مع الإعلان الخاص بالقدس، أو حتى حين تم نقل السفارة فعليا قبل عام من الآن.
تريد إسرائيل أن تفرض الصمت الفلسطيني التام حتى يحين الوقت لإعلان الصفقة، بل وأن تضمن أن يبقى الرفض الفلسطيني كلاميا، أي دون فعل مقاوم من شأنه أن يحبطها أو أن يكون كابحا ليس فقط لمنع وجود الشريك الفلسطيني بل وحتى العربي، وأن لا يكون الإعلان مناسبة لاندلاع مواجهة ميدانية شعبية وشاملة، تقوم بردها أو إعادتها من حيث جاءت، أي إلى البيت الأبيض.
أما وقد تم التوصل إلى «هدنة» لتثبيت التفاهمات السابقة، فإن أحدا لا يضمن ما يمكن أن يحدث غدا، لكن ما لفت الانتباه في نص هدنة، أمس، هو البند الذي يتحدث عن أن كل ما يتعلق بالقدس والضفة مرتبط بالمقاومة، وهذا يعني بوضوح بأنه لو سقطت السلطة أو تم إسقاطها، فإن «حماس» ومقاومتها جاهزتان للتحدث باسم الكل الفلسطيني، في غزة والضفة والقدس!
بالطبع، بعد حرب استنزاف سياسي، قد تتواصل فصولها إلى ما بعد رمضان، سيكون الجميع معنيين بمتابعة التفاهمات، والحديث عن ترميم ما أحدثته من دمار ومن قتل، بحيث يكون ذلك مقدمة للحديث عن الحل الاقتصادي أو الإنساني، وهو جوهر الصفقة، الخاص بقطاع غزة، لذا فإن ما سيمكن ملاحظته واستهجانه هو الصمت العربي وكذلك الدولي المتأثر بالسطوة السياسية الأميركية على العدوان الإسرائيلي الفاضح وغير المفهوم وغير المبرر.
لكن هذا لا يعني بأن السيناريو الإسرائيلي ــ الأميركي سيتم تنفيذه بالحرف أو أنه قدر، فبما أظهرته المقاومة من نضج وتدرج بالرد، وعدم الرد بإلقاء كل ما لديها دفعة واحدة، يعني بأن هناك ردعا ميدانيا، لكنه بحاجة إلى مستوى سياسي بنفس المستوى، هو ليس كذلك بسبب الانقسام، كذلك فإن الرد العسكري يحتاج إلى إسناد شعبي إضافة للإسناد السياسي.
عن صحيفة الأيام
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز"