بقلم: طلال عوكل
جولة دموية أخرى انتهت، في سياق صراع لا ينتهي، حتى لو كان لكل جولة أسبابها وأهدافها بالنسبة لطرفي الصراع. هو صراع لا يمكن إنهاؤه، لا من خلال تحقيق سلام دائم، ولى حتى على مستوى تسويات مؤقتة وجزئية. هذه الدولة المسماة إسرائيل، قامت في الأساس على كذبة أطلقتها الصهيونية وصدقتها، وهي كذبة «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض». هذه الكذبة التأسيسية، والتي تتكامل مع ذرائع وأغطية توراتية، تقدم للبشرية نموذجا لدولة عنصرية، لا يمكن أن تعرف السلام، لا لغة ولا سلوكاً، ولذلك فإن السلام معها مستحيل لأنه يعني نهايتها. يتوهم بعض العرب، أن إسرائيل، دولة يمكن أن تكون طرفاً في تعاون مثمر، يحقق الاستقرار والسلام، وربما يعتقد هذا البعض أنها دولة تتعرض لظلم الفلسطينيين، كما تقول الولايات المتحدة الأميركية.
إن على هؤلاء المتوهمين أن ينظروا إلى ماهية السلام الذي تحقق بين إسرائيل وكل من مصر والأردن، فلقد فشلت هذه الدولة العنصرية في أن تصبح دولة مقبولة لدى المجتمعين المصري والأردني، وفشلت في اختراق الثقافة، والخطاب الإعلامي في هذه المجتمعات. وإذا كانت إسرائيل قد دمرت عملية السلام المستندة إلى اتفاقية أوسلو، بما يقدم تجربة ونموذجاً آخر لمدى التزام إسرائيل بمبادئ السلام، فإن فرص السلام بالنسبة لها، لا يسمح حتى بالالتزام بمساومات أقل أهمية من السلام الشامل، الذي ينطوي على حقوق وتنازلات.
سبب الجولة الأخيرة، يعود إلى أن إسرائيل تنصّلت من التفاهمات التي وافقت عليها قبل الانتخابات الأخيرة، ومحاولتها العودة لفرض معادلة هدوء مقابل هدوء.
تصر إسرائيل على مواصلة الحصار، وتجويع قطاع غزة، وجعله مكاناً غير صالح للحياة الإنسانية، حتى تتمكن في وقت ما من أن تعزله، وتجعل سكانه يقبلون بما يفرض عليهم، وبما يأتيهم من فتات.
وبالرغم من كثرة الناصحين في إسرائيل، لتحسين الأوضاع الاقتصادية والمعيشية لسكان القطاع، لتقليل الخطر الناجم عن إمكانية انفجار الناس في اتجاه إسرائيل، إلاّ أن السياسة الرسمية الإسرائيلية، تستمر في تعميق معانيات الناس، وتحضيرهم لانفجار واسع.
في كل جولة تعتقد إسرائيل أنها تنجح في إضعاف المقاومة، وفي إضعاف العلاقة بينها وبين الناس، الذين يدفعون ثمن التصعيد العدواني.
ولكن في كل مرة أيضاً، تتفاجأ إسرائيل، بأن المقاومة أقوى من الجولة التي سبقت، وأن لديها قدرات وإبداعات، أفضل من السابق، وأن قدرتها على إيذاء العدو، تتزايد باستمرار. خلال الجولات الأخيرة وليس فقط الجولة الأخيرة، تراجعت بوضوع مكانة وقدرة الردع الإسرائيلية وارتفع المزيد من الأصوات المنتقدة للحكومة وسياستها تجاه كيفية التعامل مع قطاع غزة.
يعرف الجميع مدى عبثية الاعتقاد، بأن الفلسطينيين يمكن أن يحوزوا على قدرات تسليحية تضاهي القدرات الإسرائيلية، لكن الأمر لا يتعلق فقط بالقدرات، وإنما بمدى فعالية ما يملكه الفلسطينيون في التأثير على الأمن الداخلي الإسرائيلي، وفي مدى قدرة إسرائيل على استخدام ما تملك لمنع تأثير ما يملكه الفلسطينيون.
لقد أكدت التجارب، أن ترسانة إسرائيل الحربية، التي تضاهي قدرة عدد من الجيوش العربية، تتحول إلى مجرد شرطة، وأجهزة أمنية في مواجهة المناضل الفلسطيني. المقاومة خرجت من الجولات الأخيرة، وهي في الموقع الأفضل ولذلك كانت إسرائيل مضطرة، لأن تستجيب للتدخلات الساعية من أجل وقف إطلاق النار، تضطر إسرائيل للقبول بتفاهمات معينة، لكنها تعود وتتنصل من تلك التفاهمات، هكذا كان الحال وهكذا سيكون.
بعد الجولة الأخيرة، لم يبق مسؤول إسرائيلي، ولا وسيلة إعلام إلاّ وتحدثت عن أن هذه الجولة، ما هي إلاّ تمرين، أو مناورة، وأن ما وقع ليس أكثر من استراحة محارب. إسرائيل غير مقتنعة بتنفيذ التفاهمات، فها هو نقيب الصيادين يشكو أن إسرائيل تغلق البحر أمام الصيادين منذ خمسة أيام.
الجنرال الإسرائيلي دورون ماتسا المسؤول سابقاً في جهاز الاستخبارات العسكرية «أمان»، يتحدث في مقال له، عن «ان هذا يتطلب من إسرائيل أن تنتهي من موسم المهرجانات والاحتفالات، الاستقلال واليوروفيجن والاستعداد لتوجيه ضربة قوية فتاكة ضد حماس، تعمل على إعادة تموضع للخارطة السياسية والسلطوية، في غزة من خلال الدفع بحماس لأن تبدي حرصاً أكبر على بقائها في الحكم، مروراً إلى تسوية سياسية بعيدة المدى، تحقق الاستقرار في المنطقة بأسرها».
هذا هو بالضبط ما تستعد له إسرائيل، فالجولة القادمة لم تعد بعيدة، من حيث الوقت، والأرجح أنها ستكون طويلة، وقاسية، ليس هدفها إنهاء سيطرة حماس على السلطة في غزة، وإنما تحضير الميدان لتسويات سياسية بمضامين اقتصادية وبأثمان مختلفة، وهذا يعني أن التفاهمات التي يتم الإعلان عنها، جزئية، وتقدم خدمة مؤقتة، لا تصل إلى مستوى تخفيف الحصار، فهذا هدف، له وقت آخر، وثمن آخر. في كل الأحوال لقد دفعوا ظهر غزة إلى الحائط، ولم يعد لها ما تخسره، ولهذا فإنها تقاتل بشموخ ولن ترضخ.
عن صحيفة الأيام
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز"