بقلم/ د. هاني العقاد
أكثر من يتحدث عن الصفة الامريكية هم الامريكان وخاصة طاقم السلام التابع للبيت الابيض و مستشارو ترامب والمتابع لما يصدر عن هذا الفريق يلاحظ كثافة التصريحات المركزة خلال الفترة الاخيرة وهذا يعني ان الطاقم انتقل من مرحلة الاقناع والحشد التي باءت بالفشل الى مرحلة الضغط على الفلسطينيين سياسيا عبر شن هجوم غير طبيعي على الموقفين الرسمي والفصائلي الفلسطيني , هذا يعني ان الطاقم يبذل جهد مكثف لمحاولة تذويب جبل الجليد الفلسطيني امام الصفقة لعلهم يقبلوا اي من بنودها , في سبيل ذلك بدأ واضحا ان الفريق قسم الادوار بين اعضائه .
غرينبلات بدأ هجومه على كل القيادات الفلسطينية دون استثناء وبدا يكيل الاتهامات لحماس والجهاد بأنهم الوحيدين من يقع عليهم اللوم في معاناة الفلسطينيين ولم يتوقف الامر عند هذا الحد بل بدأ يذكر القيادات الفلسطينية بالاسم وخاصة من يقول ان صفقة القرن ولدت ميته وتشكل تهديد حقيقي للفلسطينيين.
في الوقت ذاته ادارة البيت الابيض قررت اعطاء الفلسطينيين مهلة عام لدراسة الصفقة وقبولها وبعد ذلك سيتخذ اجراءات ضد الطرف الذي يعرقل دون ان يحدد طبيعة الاجراءات وكأن البيت الابيض لم يتخذ اي اجراءات ضد الفلسطينيين بسبب قرارهم النهائي حول رفض الخطة الامريكية.
جاريد كوشنر بالجانب الاخر يتولى مسألة التنظير للصفقة ومحاولة اقناع الفلسطينيين بمجرد التفكير فيما تحتويه هذه الصفقة والكشف عن بعض الاغراءات المادية والاقتصادية التي ستغير حياة الفلسطيني راسًا على عقب.
لم يخفي كوشنر اهم بنود الصفقة التي لم تعتمد حل الدولتين كأساس لحل الصراع وجلب السلام وقال " ان حل الدولتين لم ينجح في السابق مما يتطلب التخلي عن هذا السياق ولدينا افكار خلاقة خارج الصندوق وقد تؤدي الى تحقيق السلام " دون ان نتساءل ما في الصندوق الامريكي من افكار؟ فكلها لا تعتمد الحل على اساس حل الدولتين.
افكار اقتصادية لكيان فلسطيني بجناحين في غزة والضفة استثمار مليارات الدولارات في هذه المناطق والمحيط العربي بمشاركة خبراء اقتصاد أمريكيين لن يتركوا للفلسطينيين الاستقلال براس المال او الاستقلال الاقتصادي بل ستكون مهمتهم رسم قنوات لتصفي الاموال التي ستدور في دائرة تشغيل الفلسطينيين نحو الخزانة الامريكية.
ما في الصندوق الامريكي من افكار لا يمكن تسميتها على الاطلاق بخطة سلام بل خطة لتثبيت الدولة اليهودية القومية للشعب اليهودي واسنادها بمليارات الدولارات لتكون في مركز تفوق أمنى وسياسي وعسكري واقتصادي كبير. ما في الصندوق الامريكي من افكار للسلام لا تعتمد اي اساس للحل غير الاساس الاقتصادي الوهمي حتى مبادرة السلام العربية 2002 التي طرحت في قمة بيروت ومازالت على الطاولة قال عنها كوشنر انها اصبحت شيئا من الماضي ولم تنجح لأنها تحمل افكار تقليدية. ما في الصندوق الامريكي هو قبول العرب لإقامة علاقات سياسية ودبلوماسية مع هذا اسرائيل دون ربط ذلك بتحقيق السلام او قيام الدولة الفلسطينية.
ما في الصندوق الامريكي افكار تزعم تغير حياة الفلسطينيين للأفضل وفتح مناطقهم امام الاستثمار كركيزة هامة تساعد الامريكان عن القفز عن اي حلول يرغب بها الفلسطينيين للعيش في دولة مستقلة قابلة للحياة جنبا الى جنب مع دولة اسرائيل وهذا ما تحدث عنه كوشنر عندما قال " تركزينا ينصب على الحل من الاسفل الى الأعلى" مع ذلك لا اعتقد ان خطة البيت الابيض ستنتهي خلال فترة وجيزة بل تحتاج عقود وهذا يعني ان هناك اجيال من الساسة الفلسطينيين تصنعهم الولايات المتحدة لهذه المراحل بالتتابع برغم رفض القيادة الحالية . . لعله بات واضحا ان ما بالصندوق الامريكي مجرد مشروع اقتصادي امر وصهيوني يوظف الشعوب المسكينة والمغلوبة على امرها من الفلسطينيين وبعض دول الاقليم كعبيد ليس أكثر لعشرات السنين مقابل الغذاء وتقديم حلول كافة الازماتهم الاقتصادية التي صنعها الامريكان والإسرائيليين ذاتهم. هذه هي الافكار الابداعية التي تحدث عنها فريق البيت الابيض الامريكي للسلام افكار ليس اخلاقية ولا خلاقة ولا ابداعية بقدر ما هي افكار استعبادية.
الافكار الابداعية الامريكية تمنح اسرائيل السيادة على الارض الفلسطينية وتوظف الفلسطينيين كإجراء لدي شركات ضخمة براس مال امريكي دون اي سيادة سياسية او اقتصادية فلسطينية ولن تعترف الولايات المتحدة بعد ذلك بحق تقرير المصير للفلسطينيين لأنهم حققوا تقرير مصيرهم اقتصاديا واعطوهم الخبز والطعام والسيارات والبيوت والتنقل برقابة استخباراتية مركزية تلاحقهم في كل مكان يصلوا اليه وبالطبع سترسم ادارة البيت الابيض الخارطة السياسية للفلسطينيين على مدار عشرات السنوات وعبر مراحل بعيدة المدي. كل ما بالصندوق الامريكي مرفوض وقبوله يعني الخيانة واشتراك في تصفية القضية الفلسطينية وسيكتب التاريخ ان هذه الافكار هي افكار لصالح دولة الكيان اليهودي الجديد ليس أكثر. لذلك كل افكار الصندوق الامريكي ما هي الا قاذورات امريكية بحته يجب كبها في اودية النسيان ومزابل الشعوب الحرة، ولعل محاربتها شرف نضالي كبير ومواجهتها بات من معالم الانتماء الوطني الفلسطيني الخالص. وان مجرد الاطلاع على هذه الافكار او النظر لما في الصندوق الامريكي جريمة بحق الشهداء والاسري والارض والشعب وعلي فريق ترامب ان يدرك انه فريق فاشل بسبب لسانه الاسرائيلي وبنائه خطته على اساس مصلحة شعب اسرائيل دون مصلحة الفلسطينيين وعليه ان يدرك ان جبهة الصد الفلسطيني باختلاف مكوناتها لن تنكسر وستبقي صلبة مهما حاول الفريق استخدام اساليب لتفتيت هذه الجبهة.