د.هاني العقاد
مازالات الولايات المتحدة الامريكية مصرة على عقد مؤتمر البحرين لتمويل صفقتهم المشؤومة التي لا تهدف الا لتصفية القضية الفلسطينية وتقديم حلول اقتصادية للفلسطينيين براس مال عربي يصب في النهاية بالخزائن الامريكية والإسرائيلية، ومازالت مصرة على برمجه خطة تتعامل مع الفلسطينيين كشعب بلا ارض وبلا مستقبل سياسي ولا حق تقرير المصير وكل ما ستقدمه الولايات المتحدة الامريكية حكم ذاتي موسع تحت وصاية عربية اسرائيلية امريكية مشتركة.
مازالت مصرة بالرغم من ملامح فشل مؤتمر البحرين الاقتصادي لكونه يتعامل مع الصراع على انه صراع من اجل لقمة العيش والفقر والكهرباء والدواء والكساء.
اعدت الولايات المتحدة لمؤتمر البحرين ليكون بديلا شرعيا عن اي مؤتمر سياسي يطالب الفلسطينيين بعقدة ويسعي رئيسهم لحشد دولي واسع له لبحث قضيتهم من خلال مرجعيات وقرارات دولية تقر فيه اليات دولية تنهي الاحتلال الاسرائيلي وتنهي الاستيطان وتفكيك كل مستوطنات الضفة الغربية والقدس الشرقية ويحدد الالية العملية لتطبيق حل الدولتين بما يحقق الامن والاستقرار في المنطقة باسرها.
لن ينجح اي حل اقتصادي يقفز عن الحلول السياسية وانهاء الصراع وتقديم حلول لكافة القضايا الاساسية المكونة للصراع وسيفشل الامريكان والإسرائيليين في صنع قنوات اقتصادية تمر عبرها حلول مجزوءة للصراع بل قد لا ترتقي لتناول اي شأن من شئون الصراع ويتعامل مع المسألة بانه الا صراع جاء بسبب الاحتلال العسكري والقوة العسكرية للأرض العربية الفلسطينية , ما سيقدم هو حلول للازمة الاقتصادية الفلسطينية التي تسبب بها الاحتلال وخطط لها جيدا واستخدم كافة ادواته العسكرية لحصار الاقتصاد الفلسطيني وسرق الاموال الفلسطينية وضرب المصانع واقتلع المزارع وترصد لاي محاولة تنمية اقتصادية فلسطينية مستقلة واعاق اي خطط فلسطينية لاقتصادية فلسطيني يعتمد على الذات الفلسطينية.
ينتظر الأمريكان ومن يدور في فلكهم فشل زريع في البحرين لكونهم سيناقشون حلول اقتصادية لكافة قضايا الوضع الاقتصادية والتعامل مع كافة قضاياه المتشابكة دون القضايا السياسية ولأنهم فصلوا الشأن السياسي عن الاقتصادي، ما سيقدم هو بعض التسهيلات الاقتصادية الكبيرة لخلق حالة اقتصادية تقوم على الاستثمار الدولي الواسع يكون فيها الاقتصاد الفلسطيني مرتبط ارتباط بنائي مع الاقتصادي الذي تصنعه الولايات المتحدة خصيصا لذلك لا حلول اقتصادية دون الحلول السياسية ولا حلول سياسية دون حلول اقتصادية وتنمية اقتصادية شاملة واستقلال بكل عناصره السياسية والاقتصادية والامنية ولا يمكن فصل وتجزئة قضايا الصراع الى اقتصادي وسياسي وتقديم حل عن الاخر والتعامل مع اليات للحل الاقتصادي اساسها سياسية ولم يعهد ان اي مدرسة سياسية سجلت هذا الفصل وحولت اي مسالة صراع سياسي الي ازمات انسانية تتطلب حلول اقتصادية يمكن ان تستعيد الامن والاستقرار وتوفر حالة من النمو الطبيعي لحياة بشرية متطورة وامنة.
لعل الولايات المتحدة تراهن علي اللعب بحالة الوعي والانتماء السياسي الفلسطيني والعربي من خلال برامج مختلفة تعمل على تغير العقيدة السياسية للشعب الفلسطيني مع اطالة مرحلة التنمية الاقتصادية التي تؤسس لحياة مدنية متعددة المزايا لعقود تذهب بالوعي السياسي وانتماء الاجيال للأرض والمقدسات الى ما وراء ذلك، لعل الولايات المتحدة الامريكية تراهن على شراء الضمير العربي وصمت الشعوب والتلاعب بمصير البعض الاخير سياسيا واثارة نعرات الثورات وتغير الحكم ودفع الاموال الطائلة وصناعة قادة من ورق يتم برمجتهم في معامل سياسية امريكية واسرائيلية بالغة الدقة .
غاب عن بال الولايات المتحدة الامريكية وفريق ترامب ان المعاناة من الاحتلال عاشها الفلسطينيين من النكبة للنكسة للحروب المدمرة للتهويد والابارتهايد والحرمان و ورثوها الي ابنائهم ومازال القادم اكثر فكيف سينجحون في كي وعي الاجيال القادم وهم لم يحققوا استقلالهم السياسي وخلق حالة تطبيع مع العدو الذي يعتقد انه سيتحول الي صديق مع مرور السنوات، لعل هذا كله جاء بسبب جهل الفريق الامريكي بمراحل الصراع وحقائقه ولم يحللوا تاريخ الفلسطينيين جيدا ومدي ارتباطهم بالأرض , لعل عقيدة الفريق اليهودية الاسرائيلية الاستيطانية بالبحتة وعدم الاعتراف بالأخر جعل منهم عبيد للصهيونية فقط دون غيرهم . لم يدرس الفريق الامريكي اي من اسس صناعة السلام العادل ولا اي من قرارات الشرعية الدولية حول هذا الإطار ولم يدرسوا اي مرجعيات يمكن ان تحقق حلول طويلة ودائمة لكنهم اعتمدوا في رؤيتهم لحل الصراع على اساس الطموح اليهودي الاسرائيلي لتأسيس دولة يهودية قومية كبيرة تعطي الشعب اليهودي احقية الوجود في هذه المنطقة العربية بالقوة وتمنحه الشرعية والاعتراف الكامل وتجند كافة القوة الاقليمية لخدمته هذا الكيان.
لن تنجح محاولة ادارة ترامب وفريقه اليهودي في فصل مكونات الصراع عن بعضها وتأجيل الحلول السياسية التي تريدها بسبب رفض الفلسطينيين وتقديم الحلول الاقتصادية اولا على اعتبار انها حلول اغرائية للبعض الفلسطيني ولن تنجح ادارة ترامب في استخدام كافة إجراءاتها لإيجاد قيادة فلسطينية بديلة تقبل بما يطرح من حلول وستفشل ادارة ترامب في كافة مساعيها لحشد المال المطلوب لتمويل حلولهم اقتصادية دون حل جذري للصراع وانهاء الاحتلال القائم للأرض والمقدسات وتهويدها و تقسيمها زمانيا ومكانيا وما ينتظرهم ليس اقل من الفشل الذريع . لعل ادارة ترامب فقدت الفرصة التاريخية لتقديم حلول سياسية قائمة على اساس حل الدولتين والارض مقابل السلام بدلا من الازدهار مقابل السلام وفقدت الفرصة التاريخية لتحقيق الامن والاستقرار الدائمين بالمنطقة وما يجري هو ضياع للوقت والجهد واستنزاف المال العربي وسرقة علينة للثروات تحت ذريعة تقديم حلول ابداعية للصراع بما يتناسب مع المتغيرات الاقليمية التي صنعتها الولايات المتحدة الامريكية واجهزتها الدقيقة على مدار عقد من الزمان وأكثر.