قائمة الموقع

الرئيس يحارب أمريكا بـ "لا" وإسرائيل يتركها للزمن

2019-06-11T09:23:00+03:00
ليث شحادة

قلم/ ليث شحادة

بات الجميع يعرف الطريقة التي يحارب بها الرئيس محمود عباس بصفته أعلى هرم القيادة، الإدارة الأمريكية، بعدما وقفت بالباع والذراع مع إسرائيل واعتبرت في أواخر عام 2017 القدس المحتلة عاصمة لإسرائيل، وأوعزت بنقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس، وما تلاه من إجراءات حادة لتضيق الخناق على الفلسطينيين، للقبول بما سيُعرض عليهم في "صفقة القرن".

وقبل الدخول في طريقة أو لغة الرئيس الناعمة في تأثيرها والخشنة في نطقها!، أريد أن أذكركم بإحدى ضرباته الشفوية لترمب، كانت في تاريخ 28-29 تشرين الأول لعام 2018، حين قال أبو مازن مخاطباً ترمب:" القدس بلعتها ونقلت سفارتك إليها، وحق اللاجئين أنهيتم، وقلت بكل وقاحة إن عدد اللاجئين 40 ألف.. يخرب بيتك من قال هيك".

و "يخرب بيتك"، جملة حظيت بالنصيب الأكبر على وسائل الإعلام المحلية والدولية، وجعلتني أسأل زملائي في مهنة الصحافة:" هل سيعتبر ترمب تلك الجملة شتيمة، أو سيشعر جلده الأبيض بنخزة ؟، بالرغم أنها جملة مستهلكة عربياً ودائمة الحضور في المواقف اليومية، لكن ترمب لم يلق لها بالاً أو لأي ردة فعل فلسطينية، لا سيما أن رجل البيت الأبيض هجومي جدًا على الأشخاص ورؤساء الدول عبر "تويتر" أو في خطاباته أو في أي مؤتمر يعتلي منصته، ولا يترك أحدًا يهاجمه أو ينتقده بحرف واحد، إلا ويرد عليه بقوة، تعلوها ملامح استهزاء وتعالي وتكبر.

وفي مناسبة أخرى حصلت في شهر مارس من العام الماضي، نعت الرئيس عباس، السفير الأمريكي لدى إسرائيل دافيد فريدان بـ "ابن الكلب" لتأييده المستمر للاستيطان في الضفة الغربية، واقتبس المشتوم هذه الإهانة وقال:"معاداة للسامية أم خطاب سياسي؟، أترك ذلك لكم".

ونجد في جل خطابات "أبو مازن" الأخيرة، أن لهجة الحديث مختلفة نوعاً من مكان إلى آخر، لا أعلم هل لها علاقة بحالة الإحباط الذي قد يعشيها، أم أن قادة العرب مارسوا ضغوطا عليه للقبول بما عُرض عليه في السابق، وهو الآن يتكلم بأريحية بعدما علم أن بعضهم لن ينخرط في الصفقة الأمريكية. أم أن الحالة بشكل عام تتطلب لغة هادئة وإيصال رسائل مبطنة والصمود والبقاء على المواقف.

لكن ما لفت انتباهي في كل مشاركاته بالقمم العربية أو باجتماعاته مع المسؤولين الدوليين، حديث الرئيس المتكرر عن أموال المقاصة التي قطعتها إسرائيل من السلطة الفلسطينية بحجة أنها تذهب لرواتب الأسرى والشهداء، إذ رفض استلام الجزء المتبقي منها، وأصر على إعادة إسرائيل الأموال كاملة إلى الاحتلال.

ثم بعد ذلك بقي "أبو مازن" في كل مؤتمر دولي وعربي أو لقاء سياسي داخل رام الله يحضره، يقول "لا لصفقة القرن ونعم للقرارات والشرعية الدولية التي تتبنى إقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس، كأن "لا الناهية" هي الحل من وجهة نظر مؤيديه، خاصةً أن أصغر طفل فلسطيني يعرف ما يخطط له الأمريكان والإسرائيليون على حد سواء، في سعيهم لتصفية القضية الفلسطينية، واختراق الأنظمة العربية أكثر فأكثر، وإقامة علاقات بينها وبين إسرائيل.

وفي المقابل يشعر الفلسطيني بأنه وحيد في عالمه العربي وأن حلم الدولة أصبح سراباً في عهد نتنياهو ومن معه من المتطرفين، الذين يسعون جاهدين إلى ابتلاع أراضي الضفة، وتقطيع أواصرها لصالح الاستيطان، بينما تبقى القدس تحت الاحتلال بحكم الواقع، ويستمر فصل غزة عن الضفة والتحكم بمصير سكانهما، بل والتلاعب مع "حماس" وفق الأسلوب الإسرائيلي المتبع: هدوء مقابل هدوء ومساعدات إنسانية. ونبقى نسمع الشعارات المعهودة: أن غزة حامية المشروع الوطني وأنها ستسقط صفقة ترمب!

إن انتقادي للرئيس نابع" من تصرفاته الخاطئة تجاه شعبه في الكثير من القضايا، وفشل مشروعه السياسي وهو حل الدولتين الذي لا يؤمن به نتنياهو من الأصل، وبقائه ملتزماً بالاتفاقيات مع إسرائيل واعتماده على عنصر الزمن في الصراع "كأنه في ربيع شبابه" مع تمنياتي له بالعمر المديد". لن أكون في محل المنظر والسياسي والفيلسوف فكرياً، ما يعني أنني لن أنصح الرئيس أو أقدم له الحلول ليقود بها المرحلة الراهنة.

وأخيراً، أرجو ألا تظنوا بأني أتغنى بمواقف الفصائل الفلسطينية بما فيها حركتا فتح وحماس بصمت، والتي اعتبر لغة جميعها "طخ في الهواء"، ولا ترتقي لحجم المخاطر التي تتعرض لها القضية الفلسطينية، وخصوصاً أن صفقة القرن تسير بهدوء، لننتظر الفترة المقبلة هل سيكون الفلسطينيون على قدر المسؤولية، وسيقلبون الطاولة في وجه إسرائيل وأمريكا، أم أنهم سيبقون في مكانهم ويقولون "لا" من بعيد، ويستعرضون عضلاتهم على منصات وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي.

اخبار ذات صلة