بقلم: محمد عايش
تجد مجموعات عنصرية ومتطرفة في أي مكان من الكون لكنها دائماً ما تكون أقلية معزولة ولا تحظى بأي جماهيرية أو قبول شعبي، لكن الكارثة في عالمنا العربي أن «العنصري» يمكن أن يتولى أرفع المناصب ويتحدث باسم الدولة ويتباهى بعنصريته وغبائه على شبكات التواصل الاجتماعي.
وزير في إحدى الدول العربية ينشغل منذ أسابيع في تغريدات على «تويتر» يخجل أطفال الصف السادس الابتدائي من نشر مضمونها، أو التحدث بما فيها بسبب الكم الهائل من «البذاءة العنصرية» التي تحتويها، وهي عنصرية لا تختلف مطلقاً عن «النازية الهتلرية» التي كانت تدعي تفوق العرق الألماني على باقي البشر، إذ يروج الوزير لتفوق أبناء بلده عرقياً على غيرهم من العرب.. هذا على افتراض أنهم ينتمون لعرق مختلف عن جيرانهم العرب.. وهو افتراض بطبيعة الحال غير صحيح بسبب أن الحدود الموجودة اليوم بين الدول العربية تم رسمها في اتفاقية «سايكس بيكو» عام 1916، أي أن أقدم خط حدودي في منطقة العربية عمره أقل من 100 سنة، بينما شعبنا العربي الواحد عمره يزيد عن 3000 سنة.
موجة العنصرية التي يشهدها العالم العربي هي نتيجة منطقية لعقود طويلة من عمليات تفريق ممنهجة وتحريض بين الشعوب العربية، تهدف الى تفكيك الشارع العربي وإنهاء فكرة «الأمة الواحدة» من وجدان كل شخص، بما يؤدي في نهاية المطاف الى خلق دول ضعيفة لا تقوى على أن تقول (لا) لأي أوامر أمريكية أو إملاءات إسرائيلية. وتبعا لذلك فليس غريبا أن تجد شخصاً عنصرياً ضيق الأفق في العالم العربي، لكن الغريب أن يتولى هذا العنصري أرفع المناصب، بما في ذلك الوزارات، والأدهى من ذلك أنه يعمل على تحشيد أبناء بلده على غيرهم من اللاجئين والوافدين والمقيمين والسياح، محاولاً الترويج الى أن بلاده هي جنات الخلد، التي لا تفنى والتي يحلم العرب بالعيش فيها.. بينما واقع الحال يؤكد أن أبناء بلده يموتون في قوارب الموت، وهم يحاولون الهروب من البلد التي يتولى هذا العنصري إحدى حقائبها الوزارية! ثمة قوى عنصرية في العالم العربي تروج الى أن اللاجئين الفلسطينيين والسوريين وغيرهم من أبناء الشعوب المنكوبة هي السبب في مشاكل بلادهم، خاصة الأزمات الاقتصادية التي تعيشها هذه الدول المضيفة، وهذه ادعاءات لا تجد من يصدقها إلا في أوساط الأغبياء، لأن الدول الغربية المتقدمة تستضيف أعداداً أكبر من اللاجئين والمنكوبين والهاربين، وتستفيد منهم على كافة المستويات، بما في ذلك اقتصاديا واجتماعياً، أما الأزمات التي تعاني منها بعض الدول العربية فمردها الى خلل داخلي في تلك الدول، كالفساد أو غيره، ولا علاقة للاجئ الفلسطيني أو السوري أو العراقي بتلك الأزمات، لا بل هؤلاء يمكن أن يكونوا مفيدين للاقتصاد المحلي والدول التي يعيشون فيها، إذا ما أتيحت لهم الفرصة وشُرعت أمامهم الأبواب.
يعيش العرب هذه الأيام واقعا شاذا بكل المقاييس، ومحصلة هذا الشذوذ السياسي لا يمكن أن تكون في صالح منطقتنا العربية، فكل العالم العربي أصبح في حرب مع كله، والأزمات تتفاقم، ويتم تفكيك الأمة المفككة أصلاً، وهذا خلل لا يمكن أن يستقيم أو يستوي الى الأبد، إذ أن العرب أمة واحدة من محيطها إلى خليجها، وموجات التحريض الممنهجة التي تهدف الى تقطيع أوصال هذه الأمة لا يمكن أن تنجح، وحتى لو نجحت فإن نجاحها لا يمكن أن يدوم، لأن الله تعالى قال في القرآن الكريم قبل أكثر من 1400 سنة: «وأن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون».
عن صحيفة القدس العربي
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز"