قائمة الموقع

لمريضات السرطان في غزة.. زغردي يا ام الجدايل

2019-07-06T13:45:00+03:00
شعر مرضي السرطان ‫(42861060)‬ ‫‬.JPG

شمس نيوز/ توفيق المصري

تصوير/ حسن الجدي

على طريق الأمل، هرولت "ملاك" محمولة على أكف الريح، وتخبرها وجهتها بكـل يقين "يا طفلتي أنتِ ذاهبة لتمنحين شخصًا سعادة بخصل شعرك، فتغزلين الأمل لمن يخوضوا المعركة وحدهم.. تدخليه عنوةً في قلب من تساقط شعرهم بفعل الكيماوي".

عشرة سنوات كان عمر "ملاك" التي لم تخف على شعرها الطويل كأي طفلة أخرى تحبه وتعتني به في هذا العمر، بل كان همها الوحيد إسعاد فتاة أو سيدة تتمنى لو تعود أصابعها لتتوه بين خصال شعرها، فلم تترد لو لثانية في التبرع به لمرضى السرطان حين علمت بأن محل كوافير يجمع الشعر بعد قصه لصالح المرضى.

 

 

وتوضح ابتسام أبو حصيرة وهي صاحبة صالون الكوافير، خلال حديثها لمراسل "شمس نيوز" وفي يدها خصال شعر سيدة تبرعت به قبل أيام، أن مؤسسة محلية طرحت عليهم فكرة جمع شعر السيدات "المقصوص" من صالونها لصالحها منذ نحو عام.

بينما تسارعت ابتسام لعرض الفكرة على النساء اللواتي ارتدن محلها لقص شعرهن من أجل التبرع به وجمعه ومن ثم إرساله للمؤسسة للاستفادة منه وتصنيعه لديهم، مشيرة إلى أن عددًا قليلاً الذي استجاب خلال العام.

التفاصيل التي نظن أنها لا تستحق التأمل والوقوف عليها وتدبر معانيها، ندرك بعد مدة أنها هي اﻷساس في بقاء من يستيقظون كل يوم متعطشين لمزيد من الحياة، ولمزيد من الهواء والعالم والسماء.

فبشغف وحب ركنت مها لولو (50 عامًا) كل ما مرت به منذ إصابتها بمرض السرطان خلال عام 2012، وجلسات الكيماوي التي تخضع لها، التي أدت إلى تساقط شعرها بالكامل، وفرحتها أنستها كل ذلك، حينما انتهت وزميلاتها من صناعة "باروكة من شعر طبيعي" أخذت قياساتها لطفلة مريضة بالسرطان تعذر حضورها ليلبسونها إياها ويدخلون بها الفرح إلى قلبها، فموعد جلسة الكيماوي كان أقوى.

 

 

تقول لولو لمراسل "شمس نيوز" وهي تتدرب مع مجموعة من المصابات بمرض السرطان على صناعة "البواريك"، داخل إحدى المراكز المهتمة برعايتهم: "الحياة بلا شعر صعبة.. أن يكون انسانًا طبيعيًا وله شعر من ثم يفقده، فذلك دمار له ولأهل بيته".

"لكنني سألبس شعرًا غير شعري الذي تساقط، وما أجمل الشعور الذي يدور داخلي، بأن إنسانًا لا نعرفه شعر بنا.. هذا هو الترابط الحقيقي".

تتابع: "سعيدة جدًا لأننا سننتج (البواريك) وسنعوض أنفسنا عن شعرنا الذي تساقط، وسنتعلم كيف نصنعها بأيدينا، من شعر طبيعي على عكس التي يتم شرائها جاهزة ولا نعلم جودتها، ليصبح بعد ذلك لنا مشروعنا الذي سنعمل من خلاله على تعليم آخرين كيف يصنعوا الباروكة".

 


 

على يسار السيدة لولو تجلس صديقتها أمل الغول "ام أيهم" (51 عامًا) والمصابة هي الأخرى بالسرطان منذ عام 2003، ووسط ضحكات تطوي معها كل ألم يتحطم على صخرة صمودها، قالت: "لا أقول إنني مريضة.. وأحب أن أحافظ على شخصيتي".

"عطاء إنساني" تجلى وتشكل داخل "أم أيهم" التي تعمل كوافيرة، وكما توضح فإنها ستتعلم لترغّب الزبائن بقص الشعر الطويل، لتصنعه بيدها وتقدمه هدية لأي صديقة أو زميلة تحتاجه؛ "لأمنحها مزيدًا من الأمل بأننا إلى جانب بعضنا"، كما تقول.

 


 

فكرة تدريب مرضى السرطان على صناعة "البواريك"، التي ترعاها مؤسسة بسمة أمل، بالشراكة مع مركز تطوير الأعمال، والتي ما إن طرحت على مديرته التنفيذية، حليمة عبد العزيز، التقطتها وقد بدأت ترتسم أمام أعينها معاناة والدتها التي أصيبت بسرطان الثدي قبل 15 عامًا ومع جرعات الكيماوي تساقط شعرها بالكامل حتى تعافت منه بعد عامين.

كان بكاء والدتها سيد الأوقات، وتوضح أنها على مدار العامين لزم الشال رأسها حتى لا تتعرض للسؤال المكروه "أين شعرك" من أولادها أو أن يراها والدي -زوجها- دونما شعر.

وعن التدريب توضح، أنه يتكون من جانبين النظري والعملي.. النظري لدى مؤسسة بسمة أمل والعملي لدى مركزي؛ لإنتاج الباروكة كاملة، لأنه يضم بين أجنحته مشغلاً متكاملاً يحتوي مجموعة من ماكينات الخياطة والأدوات المتخصصة في مجال الخياطة.

وتذهب إلى أصعب ما واجهته خصوصًا وأن الدورة تنفذ لأول مرة بغزة، في توفير العنصري لتدريب المرضى على صناعة الباروكة، وتشرح، أن لدى المركز مدربة متخصصة في صنع دمى الأطفال من القماش والصوف، فطلبت منها عمل باروكة شعر لكونها تصنع باروكة من الصوف للدمى.

 


 

عدة محاولات وتجارب خاضتها حنين محيسن لتخرج بـ"باروكة" قُدمت بالنهاية لـ"بسمة أمل" وحصلت على موافقتها، ووضع بعدها خطة ومادة تدريبية متكاملة حصلت على موافقة وزارة العمل؛ لأن كل سيدة ستحصل على شهادة صناعة "الباروكة" معتمدة من وزارة العمل.

 


 

تشير محيسن وهي تشرح لنا ولمتدرباتها مراحل التدريب وكيفية صناعة "الباروكة"، أنه سيتم تدريبهن على الشعر الصناعي ومستقبلاً الطبيعي، وأن الشعر الصناعي سهل التطبيق عبر مرحلتي القص والخياطة، أما الطبيعي فيعد أكثر صعوبة لكونه يحتاج أدوات ومواد خام، من ماكنة خياطة لكل طالبة، وتوفر أنواع الجلد لاستخدامها كفروة رأس، وسنانير "خطاف"، لسحب الشعر في الفروة الجلدية، كما يحتاج إلى استشوار ومكوى حراري.

 


 

لكن بزوغ الفكرة انطلقت من رحم الألم والمعاناة، كما يستذكر سامي الجوجو مدير عام بسمة أمل لرعاية مرضى السرطان –وهي المؤسسة صاحبة الفكرة-، قائلاً: "إن سيدة مصابة طلبت منهم توفير باروكة، فلم نشتريها جاهزة، وقمنا بتجهيز عينة من الشعر الطبيعي، وانجزت بإشراف طبيب جلدية وأورام، وبعد النجاح وتسليمها لها ومشاهدتنا لمدى فرحتها بها، قلنا لا بد من تنفيذ المشروع".

ويستشعر الجوجو ما تعانيه المصابة، موضحًا أنها جزءًا من السيدات يحتاجوا "الباروكة" لكون أن لديهم مشكلة أو أن عندهم مناسبات، تردن الظهور بالشكل الطبيعي كما قبل تساقط شعرهن بفعل الكيماوي.

 


 

يتابع: أن "مؤسسة بسمة أمل بدأت بالتفكير بالاعتماد على نفسها بعمل الباروكة، وتعاونا مع صالون كوافر والذي عمل على توفير شعر، وعملنا باروكة، وقدمنا لهذه الفعالية بالتعاون مع مؤسسة، واخترنا 12 سيدة لندربهم على صناعة باروكة شعر طبيعي".

ويشير أيضًا إلى ما ذكرته صاحبة محل الكوافير، بأن مساهمات التبرع في الشعر قليلة بغزة، متمنيًا "أن تتعاون معهم مؤسسات من الداخل–لأن لديهم مساحة أكبر- في توفير جزء من الشعر، وبأن تتعاون السيدات مع الصالونات".

وينوه إلى، أن لديهم هدف آخر من تدريب المريضات عدا توفير "بواريك"، ليصبح لهن مصدر دخل "بالإضافة إلى أن كل سيدة ستسعد الناس في منطقة سكناها، وتدرب الأهالي على عمل البروكة بالمنزل".

ويختم، بتوجيه شكره للرئيس الفخري لمؤسسة بسمة أمل معالي الدكتور موسى أبو زيد على اهتمامه الدائم وحثه على خدمة المرضى ببرامج الدعم النفسي "المؤثرة"، "ونحن بتشجيعه نفكر بطرق الابداع من أجل تطوير عمل المؤسسة وهذه المبادرات تعودنا عليها من اهتمامه الدائم"، كما يقول الجوجو.







اخبار ذات صلة