بقلم: أكرم عطا الله
لا يحتاج الفلسطينيون كثيراً لإثبات صلتهم بالأرض، وسيكون نوعا من الإسفاف أن نجتهد للرد على صلتنا بفلسطين، وكأنه حقا مشكوك بهذه الصلة، فكل شيء يشهد علينا هنا، فالشعوب تجسد تجربتها وتتراكم تلك عبر الزمن وتتحول الى بصمة وهوية تترك كثيرا من الشواهد تجدها في التراث وفي الحفريات وفي الأغنية والمواسم، وتلك قضية اذا ما استدرجنا للرد على ارتباطنا بالأرض كأننا نفتقد للثقة بتاريخنا وهويتنا التي نمت وترعرعت عبر آلاف السنين.
الدبكة الشعبية والدلعونا الحاضرة في كل مناسباتنا الوطنية والاجتماعية وحدها تحكي قصة أرض الزيتون، وتلك عمرها آلاف السنين، حيث كان الفلسطينيون الأوائل الذين يفلحون الأرض والسنة الكنعانية في الأول من نيسان بعد أن ينقشع الشتاء ويبدأ الربيع وتبدأ الأرض بالاخضرار كان الأول من ابريل هو يوم زفاف الإلهة “عناة ” للإله الفلسطيني القديم “بعل” ويغنون للعروس “على دل عناة” وتلك أصل “على دلعونا” وتراث زاخر بهذا الارتباط.
نتنياهو هذا الأسبوع في تغريدة على تويتر كتب “أن دراسة جديدة للحمض النووي تم استعادتها من موقع فلسطيني قديم في مدينة عسقلان تؤكد ما كنا نعرفه من الكتاب المقدس أن أصل الفلسطينيين موجود في أوروبا” وقد كان يشير الى دراسة نشرتها مجلة “سينس أدفانسيس” تقول أن تحليلاً حديثاً للحمض النووي أظهر أن الفلسطينيين القدماء أتوا من جنوب أوروبا قبل أكثر من 3000 عام”.
لسنا بصدد مناقشة الدراسة وحتى لو صدقنا أن العينة التي أخذت للفحص ليست حالة فردية عابرة أو مهاجر فردي ولكن على الأقل تثبت أن الفلسطينيين متواصلون منذ ثلاثة آلاف عام، رغم معرفتنا كمن تعمقوا في الثقافة الفلسطينية أن الوجود الفلسطيني المستقر بدأ منذ أكثر من عشرة آلاف عام منذ اكتشاف الزراعة والتي على أثرها بنيت مدينة أريحا لأن الزراعة تنتج المدنية.
بالعودة لنتنياهو الذي يصدق العلم حين يتعلق الأمر بمعلومة مرتبطة بالفلسطينيين ولا يتعاطى مع العلم حين يتعلق باليهود، فعلم الآثار هو الدليل الأكثر وضوحاً في معرفة وجود وحضارات الشعوب. وقد قال علم الآثار الاسرائيلي كلمته فيما ورد في النصوص التوراتية، وأبرزهم الأب الروحي لعلم الاثار “زئيف هرتسوغ” الذي أكد كنعانية القدس بعد كل تلك الحفريات بها وكذلك البروفسور “اسرائيل فلكنشتاين” الذي قال قبل ثماني سنوات بعد سلسلة أبحاث وحفريات لصحيفة جيروزاليم بوست أن علماء الآثار اليهود “لم يعثروا على شواهد تاريخية وأثرية تدعم بعض القصص الواردة في التوراة” وفيما يتعلق بهيكل سليمان قال “لا يوجد أي شاهد أثري يدل على أنه كان موجوداً بالفعل” وكذلك عالم الآثار “يوني مزراحي” وأيضاً المحاضر في جامعة تل أبيب “رافاييل جرينبرج” الذين اتفقوا مع استنتاجات فلكنشتاين.
والد نتنياهو البروفسور بن تسيون نتنياهو أستاذ التاريخ كان يقول قبل موته منذ سنوات أن هذه الأرض لا تتسع لشعبين وليس هناك شيء اسمه شعب فلسطين وهو من أساتذة التاريخ غير الناجحين الذين لفظتهم المؤسسة الأكاديمية منذ الستينات فهاجر الى الولايات المتحدة، من هنا جاء وجود بنيامين نتنياهو وتعليمه هناك ومن هنا أيضاً حقد رئيس الوزراء الاسرائيلي واحتقاره للنخبة الأكاديمية الاشكنازية كنوع من تصفية حساب قديم لوالده، فقد كانت الاشكنازية هي التي تسيطر حينها على اسرائيل.
أما نتنياهو الحفيد والذي تحدث محاولاً تقليد والده وجده في مؤتمر في واشنطن قبل أسبوع محاولاً مثلهم نفي صلة العائلات الفلسطينية بفلسطين مسترشداً بالأسماء مثل علماء الأنثروبولوجيا رغم فقر العائلة العلمي مثل عائلة حجازي من الحجاز والمصري من مصر وتلك مدعاة للسخرية أمام أسماء العائلات اليهودية سواء الشرقية منها أو الغربية، ولكن عندما لا يتسلح التاريخ بالقوة يبدو بهذا الشكل وعندما تتسلح الأسطورة والخرافة بالقنبلة النووية يكون الأمر مختلفا …!!!
عن صحيفة الغد الأردنية
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز"