قائمة الموقع

مقال مطول: الرئيس أبو مازن.. ومسك الختام،، هل يفعلها؟

2019-08-04T19:53:00+03:00
ليث شحادة

بقلم/ ليث شحادة

ترك عصيب الملامح وحاد اللهجة بخطابه الأخير والمعنون لنقاطه السياسية التي سطرها في ورقة كان يقرؤها وأمامه "مايك التلفزيون الرسمي، بإعلانه الساخن والبارد في آن واحد! المتعلق بإيقاف العمل بجميع الاتفاقات المبرمة مع "إسرائيل" منذ ربع قرن، الشارع الفلسطيني والساسة والمراقبين الفلسطينيين أمام أسئلة مستعصية.

وكتبت مقدمتي هذه في لحظة كنت شارد الذهن فيها باعتباري أنني أدمنت التفكير السياسي الذي يسحبني دائماً نحو المجهول. وها أنا أقترب منه لتسقط مجموعة أسئلة أمامي ليس لضعفها أو لقوتي الفقهية، بل لتمردها أمام إعلان الرئيس أبو مازن، وتسطرت تلك الأسئلة على نحو الآتي:" لماذا اختار أبو مازن الإيقاف وليس الإلغاء، فهناك فرق بالمعنى بين الكلمتين، وهل هو جاد هذه المرة في تطبيق قرارات المجلسين الوطني المركزي المتعلقة بتحديد العلاقة مع "إسرائيل"، ويريد أن يختم مشواره كرئيس للسلطة بقرار جاد في محاولة منه إحداث اختراق في الجدار الذي وقف عائقاً أمام مشروعه السياسي، وأنه سيقلب الطاولة بوجه الإسرائيليين والأمريكان؟، وهل لديه الخطط اللازمة للانفكاك أمنياً وسياسياً واقتصادياً عن إسرائيل، وفي حال التنفيذ ما مصير السلطة وهل ستتحول إلى دولة تحت احتلال كما يقول البعض داخل القيادة، وهل نستطيع الاعتماد على أنفسنا ونستند إلى بعض إخواننا العرب والأصدقاء الأوروبيين، أم الأمر ليس كما طرحته بتاتاً، وبذلك سنقف أمام مشهد دراماتيكي لا أكثر.

قد تكون لهذه الأسئلة إجابات مُفخخة، إذا كان (الرئيس) فعلاً يجُهز قنبلة ذات حشوة شديدة الانفجار من مفهوم قوة التطبيق والتسلح بالشعب مثلما كان في زمن الرئيس الراحل ياسر عرفات. وهذا ما أستبعده بحكم أن أبو مازن يختلف كثيرًا عن "أبي عمار" في النهج والشخصية والأسلوب والسياسة والمخزون الثوري والنضالي فالأخير كان بمثابة "دينامو الجماهير". وسأكتفي بهذه المقارنة حتى لا أعري رئيس السلطة الحالي أكثر وأثير غضب المؤيدين له.

وربما السخونة التي كانت تخرج من جسد أبو مازن في خطابه الأخير عقب اجتماعه الأخير مع القيادة برام الله، الذي تم وصفه قبل عقده بأيام معدودة على أنه "مفترق طرق"!، جعلت الذين أقصدهم يعيشون إحساس الشك ويجمعون على نفس السؤال الذي يراودني وهو: هل يحاول أبو مازن تغيير الواقع برمته، المفروض من إسرائيل كقوة احتلال؟ وهنا أشك بما غنى به أبو مازن وأستعين بقناعتي بأن الوضع لن يتغير في يوم وليلة ولا حتى اللجان التي قد تُشكل وتكلف لوضع آليات تنفيذ القرار تستطيع القيام بذلك. فسيرة اللجان التي بتنا نسمعها كثيرًا تثير السخرية في هاجسي.

أتدرون لماذا قُلت هذا، لأن السلطة لا تملك البرامج والاستراتيجيات والخطوات والآليات وقوة شعب (الأهم والأسمى) بعد كل هذه السنوات ولا سيما بعد اعتلاء أبو مازن للسلطة في عام 2005، لكي يكون بمقدورها الاستغناء عن إسرائيل، ما يعني موت اتفاق أوسلو وملحقاته السياسية والأمنية والاقتصادية التي جاءت بعد 1993، ويعني ذلك أيضًا، تغول إسرائيلي أكثر في الضفة والقدس، ويعني عودة الإدارة المدنية التابعة للاحتلال بشكل علني، ويعني عقابًا إسرائيليًا وأمريكيًا مزدوجًا، ويعني إزاحة أبو مازن من المشهد. وباختصار شديد، إسرائيل ليست خائفة من أبو مازن ولا القيادة الموجودة اليوم، بالإضافة إلى إدراكها لحقيقتنا القاسية، وهي أن الشعب مقسم جغرافيًا وسياسيًا وفكريًا بين فتح وحماس، وجائع وضائع ومتأقلم ومتعايش ومنهك ومحبط وميؤوس ومغلوب على أمره ويعاني الكثير والكثير مما لا يتسع المقام لذكره.

لقيمته الهامة والسابقة في أروقة السلطة وترؤسه لعدة مناصب فيها، أجريت مكالمة هاتفية مع الكاتب والسياسي الفلسطيني والمنتمي فكرياً لحركة فتح، نبيل عمرو، لمعرفة قراءته السياسية لتدعيم مادتي الصحافية التي نشرتها قبل أيام في المؤسسة الصحافية التي أعمل بها والتي عنونتها: جسد ساخن يصدر قرارًا مريبًا.. ويصطدم بأسئلة مستعصية!، فوجهت له سؤالي الأول الذي كان صيغته تحول حول تقييم الشارع الفلسطيني لقرار أبو مازن، بدون أي تفكير في الرد وتلعثم لسان من قبله. أجاب:" على الفلسطينيين ألا يتسرعوا في التقييم، والانتظار بعض الوقت، لمعرفة كيف يمكن تطبيق القرار. وأشار إلى إهانة إسرائيل للسلطة في عهد أبو مازن، قائلاً:" لا يوجد على مستوى العالم ردود فعل قوية، وفي نهاية المطاف اتخذ بناء على مقدمات ودوافع سابقة مرتبطة بالسلوك الإسرائيلي". وبشأن اللجنة التي تحدث عنها الرئيس والتي أسخر حين أسمعها، ألقى عمرو المعترض على انتخابات المجلسين الوطني والمركزي الأخيرتين، أمامي سؤالاً وهو:" هل اللجنة التي شكلت ستعمل على نمط اللجان السابقة، لأن الرئيس اتخذ سابقًا نفس القرار ولم ينفذه حتى الآن؟ وأجبته مسرعًا:" نعم صحيح لم ينفذ القرار الذي اتخذ عام 2015".

وأمام ما سبق، الفلسطيني، الذي تعمدت ألا أوصفه بعمق في مقالي هذا، لأنني سأكون حادًا وصريحًا أكثر من اللازم في الوصف وأحمل الرئيس بسلطته وفتح وحماس بانقسامهما وباقي الفصائل بفشلها ولا أنسى الاحتلال الذي هو أساس مشاكلنا وأزماتنا، مسؤولية مأساة وآلام شعبنا، وحتى أتفادى اعتراض البعض ويوجه أحدهم لي سؤالاً:" أنت تصف شعبك بطريقة مهينة وتهاجم قيادته وفصائله بطريقة قاسية". المعذرة لقد ثرثرت هنا بزيادة. وبالعودة إلى الفلسطيني، فإنه لم يتحرك أو يتفاعل قط مع القرار، حتى حركة "فتح" لم تخرج عناصرها بمسيرات داعمة لرئيسها فكيف نندهش من صمت الشعب المريب؟

وما يثير الغرابة، أن إسرائيل لم تعرج عبر إعلامها أو مسؤوليها بدسم على خطاب، كأنها مصدومة ومشككة فيه، أو أنها تجهز نفسها لحقبة جديدة من الصراع مع الفلسطينيين، أو ليس لديها أدنى شك بأن تقّدم القيادة الفلسطينية على مثل هذه الخطوات الجريئة، أو أنها تستهر بأي ردة فعل فلسطينية قادمة، بحكم أنها أحكمت قبضتها على الضفة الغربية (لا حاجة لها للتنسيق الأمني مع السلطة)، وتركت غزة في همومها تتنفس وفق أهوائها ومزاجاتها وتمارس لعبة "التفاهمات والتهدئة" مع حماس، فالأيام القادمة كفيلة وكاشفة لكل السيناريوهات ومجيبة على كل التساؤلات.

اخبار ذات صلة