شمس نيوز/ فلسطين المحتلة
تأسف الكاتب شمعون منديس في صحيفة "معاريف" الإسرائيلية على ما وصفها بالفرص التاريخية الضائعة التي فات على إسرائيل الاستفادة منها للتقارب مع السعودية.
وقال إن "المسلمين مثلما هذه الأيام يؤدون شعيرة الحج كل عام، وهو الذهاب للحج في مكة في السعودية. وإنه في مثل هذه المناسبة فرصة سياسية ضاعت قبل ما يقرب من 40 عامًا. ففي أبريل 1981، انعقد اجتماع في المعبر الإسرائيلي لجسر "ألنبي" بين ضابطي اتصالات إسرائيلي وأردني، برعاية الصليب الأحمر. كان موضوع الاجتماع تنظيم نقل الحجاج من الضفة الغربية و"فلسطينيي إسرائيل" إلى مكة. حضر اللقاء الجنرال عبد الحليم المجالي من الجيش الأردني، وحضر من الجانب الإسرائيلي العقيد توفيا نافوت. وأنا شاركت في اللقاء كما هو مقرر كبديل للعقيد توفيا".
صمت ممثل الصليب الأحمر
وأضاف "كان الحوار في هذا الاجتماع باللغة الإنجليزية، لأن الممثل الإسرائيلي وممثل الصليب الأحمر لا يُجيدان اللغة العربية.. لم يتدخل ممثل الصليب الأحمر في المحادثة، طالما لم تحدث أي أزمة. وما دامت المحادثة بين الطرفين مستمرة، فهو يتصرّف كراعٍ للاجتماع فقط. افتتح الجنرال عبد الحليم المجالي تلك المحادثة، قائلاً إن الأردن واجه مشكلة صعبة في تلك السنة، وتوقع أن الممثل الإسرائيلي سيساعده في إيجاد حل مناسب".
وتابع "حتى ذلك العام، كان الحجاج المسلمون من إسرائيل والضفة الغربية يذهبون إلى مكة عبر جسر ألنبي بواسطة شركة حافلات إيرانية، والتي كانت ترسل 50 حافلة جديدة إلى جسر ألنبي لتنفيذ المهمة. لكن في سبتمبر من العام السابق (1980) اندلعت حرب بين إيران والعراق، ما أدى إلى عرقلة الطريق أمام الحافلات الإيرانية التي تمر بالعادة عبر العراق. لهذا السبب طلب الجنرال المجالي من إسرائيل السماح للحافلات الإسرائيلية بالذهاب بالحجاج إلى مكة. ووفقًا لنبرة صوت اللواء المجالي وتعبير وجهه خلال كلامه، يبدو أن هناك مشكلة، لكن لم يلاحظ العقيد الإسرائيلي أي شيء خارج عن المألوف".
محادثة باللغة العربية
وواصل شمعون منديس في مقاله قائلا "تم استدعاء الممثل الإسرائيلي بشكل عاجل إلى الهاتف، واستفاد ممثل الصليب الأحمر من هذه الفرصة وذهب إلى الحمام. وفجأة وجدت نفسي وحيدا مع اللواء المجالي، فانتهزت الفرصة، وأجريت محادثة قصيرة معه باللغة العربية، وسألته عما إذا كان يعلم أن هناك شركة واحدة فقط في إسرائيل قادرة على تنفيذ هذه المهمة: شركة "ايغد". أجاب بنعم. واستمررت بالحديث، وقلت إن "ايغد" لن توافق على صبغ حافلاتها بألوان أخرى وتبديل لوحات المركبات. وقد وافق أيضا على هذا. ثم سألته: أنتم موافقون، لكن ماذا عن السعوديين؟ ويا للدهشة، أجابني بأن السعوديين موافقون أيضًا على أن تقوم شركة الحافلات "ايغد" بجلب الحجاج إلى مكة. لديهم شرط واحد فقط: ألا يكون السائقون يهودًا. بما أن المحادثة بيننا كانت باللغة العربية، فقد رأيت ابتسامة على وجه الجنرال. بدا مرتاحًا جدًا، نظرًا للحل الذي كان أمامه".
وأضاف في مقاله "عادةً ما يتم رفض هذه الأمور بسبب الخوف الإسرائيلي من تهريب الأسلحة إلى منظمة التحرير الفلسطينية. لكن الفرصة السياسية مع المملكة العربية السعودية كانت تستوجب إلغاء جميع الاعتبارات الأخرى. طالما أن الحافلات لشركة إسرائيلية، فيمكننا فحصها جيدًا بعد عودتها".
وتابع "عندما عاد الممثل الإسرائيلي وممثل الصليب الأحمر، وقبل استئناف الجلسة، حثثت العقيد توفيا على عدم رفض طلب الممثل الأردني بشكل كامل، بسبب هذه المشكلة (حتى لا يمنع الفلسطينيون من الحج) ومن أجل تكريم اللواء المجالي. وأجاب العقيد أنه ستتم دراسة القضية من قبل مسؤولين أكبر منه. وفي طريق العودة حاولت أن ألهم خيال العقيد توفيا، لكن خيبة الأمل كانت مريرة. عند عودتنا إلى القاعدة، اتصل ضابط الاتصال بضابط قسم العمليات للقيادة المركزية، وهو ضابط برتبة عقيد، وقال له: طلب منّا الأردنيون السماح لحافلتنا بنقل الحجاج إلى مكة لكنني رفضت الطلب تماماً. وأجابه الضابط: أحسنت صنعاً".
"هنا المشكلة"
وتساءل: "أين هي المشكلة في نظري؟ إن قراراً ذا أهمية سياسية كهذا، كان يجب اتخاذه من قبل المستوى السياسي في الدولة، أو على الأقل من قبل رئيس الأركان، لأنه قد تكون له آثار سياسية على العلاقات، على الرغم من أنه لا توجد لإسرائيل علاقات مع السعودية، ولكن بما أن هناك مشكلة، كان على المرء التبصر".
وتابع "وعلى المستوى العسكري، كان المجالي خاضعًا لرئيس أركانه، اللواء شريف زيد بن شاكر، وعلى المستوى السياسي كان مع ولي العهد آنذاك الأمير الحسن، شقيق الملك حسين، وبالتالي، عندما تلقى إجابة سلبية (غبية) في اليوم التالي من قبل الممثل الإسرائيلي، كان على يقين بأن رئيس الأركان الإسرائيلي على الأقل قد نظر في الأمر، أو ربما تمت مراجعته من قبل المستوى السياسي، كما هو معتاد في الأردن. أعتقد أنه لم يتخيل أن القرار تم اتخاذه فقط بين اثنين من ضباط المتوسطين الذين كانت أفضل مهاراتهم في أرجلهم وليست في عقولهم".
توقف محرك سفينة إسرائيلية
وعن المناسبة الأخرى يقول، خلال الأيام التي قضيتها في اللجنة العسكرية المشتركة بين إسرائيل ومصر، كانت الأمور بيننا وبين المصريين هادئة، وكان الجو مريحًا للغاية. في يوم من الأيام، توقف محرك سفينة إسرائيلية كانت في طريقها إلى إيلات، وانجرفت إلى الساحل السعودي المجاور. واستغرق الأمر حوالي ثلاثة أيام لكي نتوجّه إلى السعوديين – عبر الولايات المتحدة – بطلب للسماح لإسرائيل بإخلاء السفينة المتوقفة. وردت السعودية سريعا على الطلب الأميركي بالموافقة. على خلفية هذا الأمر، اقترحت على قائد وفدنا العسكري، العميد دوف سيون، توسيع التواصل العسكري مع الدول العربية.
كانت الفكرة الأساسية وراء هذا الاقتراح أن الدبلوماسية العسكرية ليست سياسية، وموجودة سراً بين العديد من الدول التي لا تربطها علاقات دبلوماسية. هذه العلاقات موجودة لأنها حول مسائل حساسة جداً. وعلى ضوء كل ما سبق، يشير الرأي الصائب إلى أن اقتراح إجراء اتصالات عسكرية في حالات الضرورة يجب أن يتم توجيهه مباشرة إلى الطرف الآخر، وليس من خلال طرف ثالث كما حدث مع السعودية عبر أميركا. لسوء الحظ، خلال أحد اللقاءات مع المصريين، توجّه العميد سيون إلى نظيره في اللجنة واقترح أن يتوسط بيننا وبين المملكة العربية السعودية لإقامة مستوى من التنسيق العسكري بيننا وبين السعودية، إلا أن الممثل المصري رفض تمامًا، وقال إن بلاده تعارض الفكرة بشكل أساسي.
كيف انتهت قضية الحج؟
وختم مقاله بسؤال آخر: كيف انتهت قضية الحج؟ أرسل الإيرانيون حافلاتهم إلى جسر ألنبي عبر طريق وعر وطويل من خلال تركيا وسوريا، وغادرت الحافلات الإيرانية إلى مكة في موعدها كالمعتاد. في العام التالي، تعلم الأردنيون بالفعل الدرس وأعدّوا حافلات جديدة للقيام بالمهمة.