بقلم/ ليث شحادة
بمجرد مشاهدتي لجرم جنود الاحتلال الإسرائيلي، المكلفين بحماية المستوطنين الأوغاد، أثناء اعتدائهم على المصلين والمرابطين في المسجد الأقصى المبارك في أول أيام عيد الأضحى المبارك، "يسحلون" النساء على الأرض ويقعلون حجابهن، وآخرون ينزفون دمًا في سبيل الدفاع عن مسجد أول القبلتين في الإسلام، على وسائل الإعلام، ألعن وأستحقر الأنظمة العربية والإسلامية لصمتها المخجل وموقفها الهزيل المغيب وجلدها "المتمسِح" تجاه كل ما تعرضه له الفلسطيني طيلة 7 عقود ونيف.
مع هذا الشعور، قادني هاتفي المحمول مسرعاً إلى "تويتر" لأكمل التوبيخ ونار الغضب مشتعلة بداخلي، في محاولة مني لإحراج المغردين العرب، من خلال نشري بعض الصور التي التقطت من المسجد الأقصى ووثقت حجم الدماء التي سالت من جماجم المقدسيين بعد تعرضهم للضرب المبرح من قبل جنود الاحتلال الذين يحمون المستوطنون باستمرار، خوفًا من المرابطين الذين يدافعون ببسالة ورجولة بأجساد عارية وأحياناً ببعض الحجارة الصغيرة، لكن إرادتهم وعزيمتهم تفوق قدرات إسرائيل الاحتلال، الدولة المارة النووية العسكرية.
إن وراء سماح الاحتلال للمستوطنين باقتحام الأقصى في اليوم الأول لعيد الأضحى المبارك مغزى خاص، كأنه أراد أن يختبر قدرته على تقسيمه زمانياً ومكانياً ويستفز بعادته مشاعر الفلسطينيين والمسلمين، تطبيقاً لخطته القديمة الجديدة، لكنه تفاجئ في صباح الأحد بمئة ألف شخص داخل الحرم القدسي، بمشاركة فلسطينيي الداخل، وجاليات مسلمة من بريطانيا ودول أوروبية، ما جعل المستوى السياسي الإسرائيلي يطلب بإجلاء اليهود من الأقصى فورًا، لتهدئة الأوضاع ومنع اشتعالها.
الفلسطينيون في القدس بشهامتهم التي أفتخر بها وأشيد بها لدرجة شعوري برجفة في جسدي حين أسمع هتافاتهم وتكبيراتهم لحظة تصديهم للاقتحامات، أجبروا رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو على إزالة البوابات الإلكترونية قبل عامين، وها هم في اليوم الأول لعيد الأضحى، أفشلوا مخطط نتنياهو مؤقتاً في القدس، الذي أعيد برفقة أعوانه إلى جحره كالثعبان، ليفكر في لدغة جديدة يحضرها في المرة القادمة، إذا بقي وفاز مرة أخرى في الانتخابات القادمة، وفي حال هزم، سيأتي شبهه بكل شيء عدا ملامحه ومنظره الخارجي. فنتنياهو في عصره ابتلع القدس وسرق الضفة بالاستيطان وشد قبضته على غزة.
نتنياهو وأشكاله ظنوا أنهم قادرون على تزوير التاريخ وتغيير ملامح وهوية مدينة القدس التي يرجع تاريخها إلى أكثر من خمسة آلاف سنة، تماشيًا مع رواية الصهاينة المزعومة بأن الهيكل تحت المسجد الأقصى، وهذا ما نشهده من تهويد للمدينة من سنوات طويلة، والعمل على إنهاء وجود سكانها الأصليين فيها عبر هدم المنازل والطرد والتضييق وفرض الضرائب الباهظة والابتزاز والاعتقالات.
والأخطر من ذلك، أن "إسرائيل" تريد حرف بوصلة الصراع من سياسي وجغرافي إلى ديني. وهذا كان واضحًا من سنوات من خلال السماح للمستوطنين بتدنيس المسجد الأقصى في المناسبات الدينية كشهر رمضان والعيدين الفطر والأضحى. وإذا كانت تريد ذلك فلتتحمل العواقب، ولا أعتقد أنها ترغب في تشويه وجها القبيح أكثر أمام شعوب العالم وخاصة الأوروبيين، فهي دولة عنصرية ومجرمة بحق الإنسانية والأرض والدين. وبات الكل يطالبها مؤخراً باحترام ديانة الآخرين.
تداولت بعض الصفحات الإسرائيلية على موقع "فيسبوك" التي أتابعها بحكم عملي في الصحافة، صورة يظهر فيها هيكلهم المزعوم مكان قبة الصخرة المشرفة وعلقت: "هذه هي السنة الأخيرة ندخل فيها لجبل الهيكل بهذه الطريقة". ما يقصدونه أن المستوطنين دخلوا بحراسة جنود الاحتلال وبعد قمع المصلين. وزعماء الدول العربية والإسلامية في سبات عميق أمام كل ما يحدث في المدينة المقدّسة، وحين يستفيقون سيكتبون بيانات استنكار وشجب ويرجعون إلى نومهم بعد ذلك، تاركين الشعب الفلسطيني لوحده. كأنه المسلم والمسيحي الوحيد وهم يهود.
مهم تكثيف الدعم المالي واللوجستي والمعنوي لأهل القدس والعمل على تقوية صمودهم وتثبيتهم في أرضهم ليكونوا قادرين على مجابهة الاحتلال وإجراءاته التي ارتفعت وتيرتها في السنوات القليلة الماضية، بعد صعود اليمين المتطرف للحكم في "إسرائيل".
لن أُنظر عليكم وأقدم لأبناء شعبي دروسًا في النضال والكفاح. فهم خبرة ونفسهم ثوري ودمائهم رخيصة لأجل أرضهم ومقدساتهم الإسلامية والمسيحية، وأيضاً لن أعري وأفضح العرب ولباسهم اليوم فاضحهم، ولن ألوم العالم الغربي لنفاقه وخبثه وخنوعه للقوي والمصلحة عنوانه، نظرًا لإيمان كل فلسطيني بما وصفته.
كل ما في الأمر.. إن القدس عروس فلسطين، والقدس هي عاصمة فلسطين"، فلتكن القدس في أعين وفؤاد كل فلسطيني، فهي بحاجة لهذين المكانيين المهمين في الجسم البشري، لأن الصراع مع المحتل طويل.