بقلم: رجب أبو سرية
بعد أسابيع من الصمت الذي تبع زيارة كبير مستشاري الرئيس الأميركي السياسيين للشرق الأوسط بخفي حنين، والذي يفسر فشله في إقناع قيادتي كل من الأردن ومصر، بحمل «وزر صفقة القرن» مع دول الخليج، بقبول فكرة عقد المؤتمر الإقليمي في كامب ديفيد لعرض الصفقة أو إعلانها، وذلك قبل إجراء الانتخابات الإسرائيلية حتى يكون عقد المؤتمر بمثابة هدية أو رافعة لحملة بنيامين نتنياهو الانتخابية المحفوفة بخطر السقوط، ها هو البيت الأبيض يخرج عن صمته بإعلان الرئيس دونالد ترامب شخصياً، من أنه سيعلن على الأرجح عن الخطة عقب الانتخابات الإسرائيلية.
مثل هذا الإعلان بالطبع ينطوي عبر طياته على أن محتوى الصفقة قد يتم تعديله، هذا إذا لم يتأثر إعلانها نفسه من عدمه بنتيجة الانتخابات الإسرائيلية نفسها، والجميع يعلم بأن إعدادها قد أخذ بعين الاعتبار وجود نتنياهو على رأس الحكومة الإسرائيلية وعلى تشكيلتها اليمينية المتطرفة، فماذا لو لم تكن الحكومة القادمة على هذه الشاكلة، هل سيتم الإعلان عن صفقة تم تفصيلها على مقاس نتنياهو وحكومته اليمينية، أم سيتم أخذ وقت إضافي لتعديلها، أم أن الحديث سيجري عن إطلاق المفاوضات، على أن يتم طرحها كما هي أو معدلة على الطرفين لاحقا.
كل هذه الأسئلة تعني عمليا شيئا واحدا، وهو أنه قد تم فرض الانكفاء على سياسة ترامب في الشرق الأوسط، أو على الأقل تم التأثير السلبي على مسارها، بحيث فرض عليه الإبطاء في الحركة والتنفيذ، وهذا بالطبع لا يقتصر على ملف الصراع الفلسطيني/ الإسرائيلي وحسب، بل وعلى الملفات المرتبطة به بهذا القدر أو ذاك، وفي مقدمتها الملف الإيراني، حيث إن الأيام الأخيرة شهدت قدرة إيرانية واضحة على صد الهجوم الأميركي خاصة فيما يخص الحصار الاقتصادي، والذي ظهر بشكل متوتر في حادثة احتجاز الباخرة الإيرانية «غريس 1» المحملة بالنفط بحجة أنها متوجهة إلى سورية، حيث دفعت الولايات المتحدة حليفتها الرئيسة بأوروبا أي بريطانيا التي تسيطر أمنيا على جبل طارق، لاحتجاز الباخرة، لكن الرد الإيراني بالمثل شكل رادعا، والمهم الفشل الأميركي بعد ذلك والذي تمثل في القرار القضائي لحكومة جبل طارق بإطلاق سراح السفينة ومن ثم عدم تسليمها للولايات المتحدة، لأن قوانين العقوبات الأميركية لا يسري مفعولها على أوروبا.
تم ربط مصير الصفقة إذاً بنتائج الانتخابات الإسرائيلية، تماما كما كان الحال عشية الانتخابات التي جرت في نيسان الماضي، ولم تعلن الصفقة، نظراً لأن تلك الانتخابات فشلت في تشكيل حكومة إسرائيلية جديدة، فماذا يمكن أن نتوقع بعد إجراء هذه الانتخابات، التي تشير كل التقديرات إلى أنها لن تكون أفضل حالاً لليمين ولنتنياهو، هذا إن لم تكن أسوأ في نتائجها عن سابقتها، وكما هو معروف، فإن إرجاء الأمر حتى إجراء الانتخابات الإسرائيلية يعني أن لا يتم الحديث عن الصفقة وعن مضمونها إلى ما بعد تشكيل الحكومة الجديدة التي يتحدد مضمونها بنتيجة تلك الانتخابات، أي ربما إلى شهر تشرين الأول أو تشرين الثاني، وهذا موعد قريب من نهاية العام، ومن الاقتراب من حمى السباق بين المرشحين من كلا الحزبين المتنافسين عادة على مقعد الرئاسة الأميركي، لكن مع هذا فإن الأوضاع الداخلية لكلا الرجلين، أي نتنياهو وترامب ليست في أحسن أحوالها.
ففي حين يجاهد نتنياهو لتوحيد صفوف اليمين دون إسرائيل بيتنا/ليبرمان، تظهر علامات التصدع، بين قيادات من حزبه وبين قيادة تحالف أحزاب اليمين، خاصة بين الوزيرة الليكودية ميري ريغيف والوزيرة السابقة ورئيس قائمة تحالف أحزاب اليمين إيليت شاكيد، وبالطبع فإن إسرائيل بيتنا وزعيمه أفيغدور ليبرمان صارا خارج تحالف كتل اليمين مع المتدينين، وهو الذي كان يعتبر نفسه الأقرب إلى الليكود، هذا على اعتبار أن حلفاء الليكود الآن هما شاس ويهوديت هتوراة وهما حزبان دينيان وتحالف أحزاب اليمين المتطرف، فيما إسرائيل بيتنا كما هو حال الليكود حزب يميني علماني من جهة وأقل تطرفا من البيت اليهودي باعتباره ممثلا للمستوطنين.
لكن الأخطر من هذا على مستقبل نتنياهو هو أن أحزاب المعارضة بالمقابل ورغم أنها تتنوع بين وسط ويسار وعرب إلا أنها تجتمع كلها على هدف رئيس وهو إسقاطه شخصيا وسد الطريق أمام قدرته على تشكيل الحكومة القادمة، ولعل بيضة قبان التوازن البرلماني التاريخي أي ليبرمان قد انتقل من دائرة القول والشعار إلى دائرة الفعل والتجسيد حين حدد أولاً هدفه بتشكيل حكومة موسعة تضم حزبه مع الليكود دون نتنياهو وأزرق أبيض، وثانياً حين أعلن اتفاقه مع حزب أزرق - أبيض على تبادل فائض الأصوات الانتخابية، بما يعني إغلاق دائرة المناورة المعتادة لدى نتنياهو.
لأول مرة منذ سنوات، تبدو المعارضة الإسرائيلية قوية وقادرة على تحدي اليمين، وتدير المعركة بشكل جيد على طريق إسقاطه، بما في ذلك استخدام ورقة غزة، والتعريض بحرص نتنياهو على حكم حماس في غزة، حيث اضطر هو أكثر من مرة للاعتراف الصريح بهذا بحجة أنه يبقي على الانقسام ويمنع إقامة الدولة الفلسطينية، وها هو التحدي الأكبر يواجهه من خلال حالة الغليان المتصاعد في الضفة، كذلك الصخب المتصاعد في دول الجوار العربي والإسلامي جراء التصعيد في المسجد الأقصى.
وحال ترامب لا يقل سوءا عن حال نتنياهو، حيث شكل الثنائي النيابي رشيدة طليب والهان عمر رافعة لتحرك الحزب الديمقراطي ضد سياسته الشرق أوسطية بما يفرض عليه صعوبات متزايدة، ليس في إعلان الصفقة وحسب، ولكن وهذا هو الأهم في فرص نجاحها، أي أن دائرة المعارضة لكليهما جراء غلوهما في إظهار حالة العداء والقهر للشعب الفلسطيني تزيد من تعقيد الموقف في طريقهما.
لم يبق بتقديرنا سوى أن يسقط نتنياهو ويفشل في تشكيل الحكومة القادمة، حتى تبدأ حجارة الدومينو التي قام بصفها جاريد كوشنير بالسقوط واحدة تلو الأخرى، وهذا يعتبر انتصاراً لسياسة الصمود والمواجهة الفلسطينية وإن يكن بالنقاط، وما النصر إلا صبر ساعة.
صحيفة الأيام
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز"