بقلم: عبد الناصر النجار
خلال الأسابيع الماضية نُشرت ثلاثة تقارير عن هجرة الفلسطينيين إلى دول غربية، وبالأحرى تهجير الفلسطينيين من أرضهم ووطنهم التاريخي، وبشكل خاص من قطاع غزة، أو من الدول المضيفة للاجئين الفلسطينيين وعلى رأسها لبنان وسورية، ولكل من الدولتين خصوصية وظروف تختلف عن الأخرى.
في لبنان هناك تضييق مستمر على اللاجئين الفلسطينيين ابتداء من اعتبار أن الإسمنت أو مواد البناء أشد خطورة من المتفجرات والمخدرات، ومنع إدخالها إلى المخيمات حتى لإصلاح أنبوب صرف صحي!! ما تسبب بأزمة سكن خانقة ومنازل آيلة للسقوط وبنى تحتية مهترئة وخطيرة، خاصة شبكة الكهرباء، ولعل الصور التي تنقل من شوارع المخيمات هناك خير دليل على الأوضاع المعيشية البائسة فيها.
جاء قرار وزير العمل اللبناني قبل أسابيع ليصب الزيت على نار البطالة والأوضاع الاقتصادية المريرة للفلسطينيين؛ ما تسبب في أزمة لا تزال آثارها تمتد إلى اليوم، ولا ندري كيف سيكون الوضع مستقبلاً، على الرغم من القليل من التطمينات اللبنانية التي لم تر النور، وبالتالي خنق الفلسطيني اقتصادياً لإجباره على الهجرة أو التهجير بطرق التفافية.
الأوضاع في سورية تختلف، فلا تمييز بين اللاجئ الفلسطيني والمواطن السوري في الحقوق ولكنها الحرب المستعرة، واستهداف المخيمات من "داعش" وأخواتها، ما أدى إلى تدمير جزء كبير منها، وخاصة مخيم اليرموك، الأكبر في سورية، وإجبار عشرات آلاف الفلسطينيين على مغادرة البلد، وطلب الهجرة وخاصة في الدول الأوروبية.
عودة إلى التقارير الإخبارية، وآخرها ما نشر الثلاثاء الماضي عندما تظاهر مئات اللاجئين الفلسطينيين أمام السفارة الكندية شمال العاصمة بيروت مطالبين بالهجرة واللجوء الإنساني، ورفع المشاركون فيها الأعلام الفلسطينية والكندية ورددوا هتافات تدعو لاستيعابهم هرباً من الأوضاع اللاإنسانية.
صور التظاهرة المؤلمة والمحزنة تحمل كثيراً من الإشارات الخطيرة، وتطلق صافرات الإنذار بأن هناك مشكلة خطيرة، وأن الوجود الفلسطيني في لبنان أصبح في مهب ريح التهجير القسري. مع التأكيد على مصطلح التهجير وليس الهجرة لأن الفلسطيني لو أتيح له فرصة العيش بكرامة لما ارتفعت عيونه عن قراه المدمرة، ولما فكر بالتظاهر أمام السفارات الغربية للتخلص من جحيم بعض العرب!!
مصادر إعلامية أكدت، أيضاً، أن الشهر الماضي شهد تهافتاً كبيراً من العائلات لتسجيل أسمائها لدى هيئات تنسق مع بعضها البعض بهدف جمع الأسماء وتقديمها لسفارات غربية وعلى رأسها الكندية ما أثار جدلاً وتخوفاً من أن تكون هذه النشاطات جزءاً من صفقة القرن.
التقرير الثاني الذي مر دون ضجة هو عن وجود اتصالات أميركية مع دول غربية منها كندا وأستراليا ودول إسكندنافية لاستيعاب عشرات آلاف اللاجئين الفلسطينيين وخاصة من لبنان وسورية، وذلك في إطار الإنهاء الكامل لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، وبالتالي القضاء على مشكلة اللاجئين بضربة التهجير القاضية.
المحاولات القادمة من الولايات المتحدة مستمرة، خاصة أن هناك لوبي إسرائيلياً يعمل في هذا الإطار منذ فترة طويلة في إطار مجموعة نافذة تسمي نفسها "التحالف من أجل الدفاع عن إسرائيل".
هذا التحرك يستهدف تهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية بالتركيز على فئة الشباب واستغلال البطالة والأوضاع الاقتصادية الصعبة خاصة في صفوف خريجي الجامعات بعد أن وصلت نسبة البطالة إلى ما يزيد على 30% وفي بعض التخصصات إلى أكثر من 50% حسب أرقام الجهاز المركزي للإحصاء.
التقرير الثالث يبرز أكثر تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، حيث أكدت حكومة الاحتلال أن هناك خطة لتسهيل تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، وأن المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر ناقش المقترحات. وبناء عليه فإن هناك مخططاً إسرائيلياً رسمياً لتهجير الغزيين، علماً أن مثل هذه المخططات وضعها مسؤولون إسرائيليون منذ اليوم الأول للاحتلال الإسرائيلي في العام 1967.
ومما لا شك فيه أن صفقة القرن لها ضلع أساسي فيما يحصل حالياً، وربما في المستقبل، وقرار واشنطن وتل أبيب تصفية وكالة الغوث هو الجزء المرئي من الصورة، والمخفي أكثر.
أعداد كبيرة من الفلسطينيين هجّروا خلال العقدين الماضيين نتيجة التطورات الإقليمية، ولعل الفرق في أعداد اللاجئين المسجلين لدى وكالة الغوث وأعدادهم الحقيقية وخاصة في لبنان خير دليل على ذلك حيث لم يظل سوى أقل من ثلث العدد المسجل في لبنان والأرقام مجهولة في سورية.
في قطاع غزة الهجرة متواصلة، مع اشتداد الحصار الإسرائيلي وتدهور المعيشة، وهناك اليوم طريقان للهجرة، الأول الطريق الجوي، الذي يمر من مصر إلى تركيا ومن هناك يجري التسلل إلى إحدى الدول الأوروبية، أما الطريق الثاني فهو من البحر عبر قوارب المهجرين التي تحمل الموت أكثر من الحياة. بحيث إن كثيراً من الشباب المهجّر فقد ولم يعرف مصيره.
ما يحصل من تهجير ليس صدفة، ولا من قبيل الأوضاع الاقتصادية فقط، وإنما هناك مخططاً ملامحه أصبحت واضحة لمن يرغب بالمعرفة.. أما من يحاول دس رأسه بالرمال فنؤكد له أن مسلسل التهجير مستمر وهذا يعني نجاح فكرة تقويض قضية اللاجئين وإزالتها عن الخريطة.
عن صحيفة الأيام
جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي "شمس نيوز"